أولا: بالنسبة للقبض. سبق أن بينا أن القيد الدفتري في حساب المشتري في المصرف يعتبر قبضا، وقد صدر بهذا قرار كل من مجمع الفقه الإسلامي بمكة، وجدة. وأما أن المصرف الذي اشترى الذهب منه هو الذي يقبض المبيع من نفسه فجائز أيضا؛ لأن المشتري وكله؛ والوكالة في الصرف جائزة عند جمهور العلماء؛ الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والراجح عند المالكية (?) .
قال البهوتي: (فإن أذن له – أي في مصارفة نفسه – جاز. فيتولى طرفي عقد المصارفة) وقال: (ويصح قبض وكيل من نفسه لنفسه) (?) . وقال ابن جزي: (تجوز الوكالة على الصرف إن تولى الوكيل العقد والقبض وأمن التأخير) (?) فمصرف لندن وهو البائع يمكن أن يقبض ثمن الذهب شيكا؛ لأنه يقوم مقام النقود، كما سبق أن بيناه. أو بالفاكس، أو بالتلفون إذا كان للمشتري فيه حساب يمكن الحسم منه. ويمكن أن يقبض الذهب من نفسه للمشتري، ويقيده في حساب المشتري (بنك فيصل الإسلامي البحريني) .
وإذا كان المشتري مصرف لندن، ولديه رصيد من الذهب لمصرف فيصل البحريني، وباعه، أو باع جزءا منه على مصرف لندن، واقتطعه مصرف لندن من الحساب الذي لديه، وقبض ثمن الذهب قبل الافتراق من المجلس وإن تباعدا. صح العقد. ويمكن تخريجه على ما ذكره الفقهاء في المصارفة بالوديعة. وقد بينا جواز المصارفة بها عندهم (?) .
وقولي إن القيد الدفتري في حساب المشتري يعتبر قبضا مشروطا بوجود كمية الذهب المشتراة في المصرف البائع، لأنه يقع كثيرا أن تبيع المصارف كميات من الذهب، أو العملات الأخرى دون أن يكون عندها المقدار المشترى، وذلك لعلمها أن المشتري لا يطلب استلام ذهبه، أو عملته التي اشتراها؛ لأنه يعتمد على القيود الدفترية فقط، وعلى هذا فالمصارف تبيع شيئا غير مملوك لها، فضلا عن أن يكون موجودا لديها. وإذا كان ذلك كذلك فإن العقد باطل، وحرام شرعا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: ((لا تبع ما ليس عندك)) (?) . قال الترمذي: حديث حسن. وقال عنه في رواية أخرى: حسن صحيح. ولأن القيد الدفتري والحالة هذه لا يمثل قبضا، وإنما هو وسيلة خداع.
وتأكيدا لوكالة المشتري للبائع فإني أرى أن يكتب في ورقة إثبات البيع وتقييده في حساب المشتري العبارة التالية (وذلك بناء على توكيل المشتري للمصرف ... بالقبض) .
وقبض الذهب بالصورة التي ذكرناها هو قبض حقيقي؛ لأنه تم باليد، بواسطة الوكيل. وقبض ثمنه بالشيك قبض حكمي، وفي معنى القبض باليد.
ثانيا: إبرام العقد بوسائل الاتصال الحديث كالتلفون، والبرق؛ والسلكي، واللاسلكي، وبالتلكس، وبالفاكسملي، وبالراديو، وبالتلفزيون، وبالقمر الصناعي، وبالانترفون، أو ما يقوم مقامه وبكل وسيلة تم استخدامها، أو تكتشف فيما بعد؛ وهي مساوية في الوضوح، والسرعة، لهذه الآلات، يكون صحيحا من حيث صحة الإيجاب والقبول، ولزومهما، أو فسخهما. ومن حيث اتحاد مجلس العقد. لأن الرضا هو الأساس في إبرام العقود، ولهذا جاز التعاقد بالرسالة والكتابة والإشارة، مع أن كلا من العاقدين بعيد عن الآخر لا يراه، ولا يسمع صوته، بل أن التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة، أقوى، وأوضح، وأسرع، من التعاقد بواسطة الرسول أو الخطاب، لأن كلا من العاقدين يخاطب الآخر، ويماكسه، ويستطيع أن يستوضح كثيرا من المواصفات والشروط التي يصعب تحقيقها بالرسالة، أو بالخطاب؛ فهي جائزة بدلالة مفهوم الموافقة الأولوي. أي صح ذلك من باب أولى.
ويفهم من نصوص الفقهاء رحمهم الله ما يؤيد صحة هذا القول، قال ابن الهمام عند شرحه لعبارة (البيع ينعقد بالإيجاب والقبول يعني إذا سمع كلام الآخر) (?) . وهذا متحقق في التلفون ونحوه.