أما المشاريع التي قضينا طوال المدة الماضية في الإعداد لها، والتي نأمل أن تعود بالخير الكثير على الدراسات والبحوث العلمية المجمعية، فهي معلمة القواعد الفقهية، والموسوعة الفقهية الاقتصادية. وقد اتسعت المعلمة في المخطط الذي رسمناه لها لتشمل مع القواعد العامة الفقهية ما يتصل بها من ضوابط وفروق وفوائد وأشباه ونظائر، وليكتمل أثرها البعيد عند المجتهد والفقيه بما تتضمنه تلك المعلمة، بإذن الله، من القواعد الأصولية والقواعد الكلية للمقاصد الشرعية، فيظهر للمتفقِّه كما قال صاحب المدارك (أن أحكام الشريعة - أوامرَ ونواهيَ- تقتضي حثًّا على قُرَب ومحاسنَ، وزجرا عن مناكرَ وفواحشَ، وإباحةً لما به صلاح هذا العالم وعمارة هذه الدار ببني آدم. وأن أبواب الفقه وتراجم كتبه كلها دائرة على كلمات هي كليات هذه القواعد، تبين للواقف عليها والناظر فيها من اتبع معنى الشرع المراد، أو خالفها فتنكب عن السداد وحاد عن سبيل الرشاد. ذلك أن الالتفات إلى قواعد الشريعة ومجامعها، وفهم الحكمة المقصودة بها من شارعها، يعين الفقيه والمكلف جميعا – كما ينبه على ذلك الشاطبي – على أن يكون قصدهم في أعمالهم موافقا لقصد الله من تشريعه، وأن كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وأن كل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل. ومن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل) .
وهذا المنهج هو الذي (دعت إليه الآيات والأخبار، وشد معاقله السلف الأخيار، ورسم معالمه العلماء الأحبار، وشيدت أركانه أنظار النظار) . وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مضى علي سنتهم واهتدى بهديهم قدوة للمقتدين وأسوة للفقهاء والمجتهدين. (فلقد تعمقوا أسرار الشريعة وتدبروا الآيات والسنن، وتعرفوا على المقاصد فحصلوها، وأسسوا قواعدها وأصَّلوها بما بذلوا من جهد، واعملوا من جد في تحقيق مبادئها وغايتها) .رفع الله ذكرهم واحسن جزاءهم.
أما الموسوعة الفقهية الاقتصادية الواقعة من المعلمة بمنزلة الفرع من الأصل والجانب التطبيقي من الجانب التأصيلي النظري، فقد تم بالفعل تحديد زمر من موضوعاتها، وضبطت مجموعة منها ضبطا دقيقا، كما تم استكتاب ثلة من رجال الاقتصاد الإسلامي وجلة من الفقهاء فيها، تعريفا بالتطورات الجديدة وبما استجد من قضايا ومسائل لم تكن قد بحثت قبل في أزمنة تأسيس النظر الفقهي وازدهاره، ومعالجة لها معالجة شرعية فقهية مصلحية بإخضاع تلك القضايا والمسائل لروح التشريع الإسلامي، وما يتسم به من سماحة وعدل.
وإنا لنأمل من وراء ذلك أن تكون المعلمة الفقهية والموسوعة الاقتصادية التي يقدمها المجمع خير معوان على إبراز الصورة النقية للشريعة الإسلامية، وللنظريات الفقهية التي اعتمدها الأئمة المجتهدون والفقهاء المبرزون فيما أصَّلوه من أحكام، وصدروا عنهم تقريرات وآراء، في النوازل والواقعات والفتاوى والتطبيقات. وإنا في الورقتين الموزعتين على حضراتكم بشأن المشروعين ما يغني عن إفاضة القول فيهما في هذا المحل.