والشريعة الإسلامية إلى جانب هذا كله، إنما تمد المسلمين بزاد فكري ونظام قانوني، بل وعطاء روحي كبير، يكفل لكل منهم حياة طيبة رشيدة آمنة. إنها بذلك، إنما تستهدف توفير الطمأنينة، وتحقيق الاستقرار في المجتمع، وإنها من جانب آخر، تدعو إلى العلم والنظر، وتحث على الاجتهاد والتفكير، طالما يملك العلماء والمهتمون الأدوات اللازمة لذلك. وهذا كله، يتيح المجال لتحقيق رخاء المجتمع الإسلامي وازدهاره، ويؤدي بدوره، إلى مزيد من العطاء والإنجاز، في ركب الحضارة الإنسانية وتقدمها.
ومن فضل الله، أن شريعة الإسلام والمسلمين، قد جاءت في كل ذلك، عامة وشاملة: لا ترتبط بزمن معين، ولا تتوجه إلى جماعة دون أخرى، كما لا تخاطب مجتمعا دون مجتمع، بل إنها للإنسان – أي إنسان – أينما وجد، وحيثما كان: تجسد دائما أمام كل الناس: أن الدين الإسلامي يسر لا عسر، وأن فقه الشريعة مرن بطبيعته، متطور في تكوينه، يقوم على الاجتهاد وإعمال العقل، والأخذ بأسباب العلم والمعرفة، في إطار من روح الشرع وجوهر الدين.
إنني أنتهز مناسبة انعقاد هذا المؤتمر، لأخاطبكم – أنتم علماء الأمة – قائلا: إنه يقع على أكتافكم إعداد مجتمعاتنا الإسلامية على أسس سليمة في الاعتزاز بالقيم وترجمة الفضائل إلى سلوك، بل وفي توجيه هذه المجتمعات إلى كيفية التعايش مع الحاضر، وطريقة التعامل مع تحديات المستقبل. وفي سبيل ذلك كله تقع على عاتقكم واجبات كثيرة، لعل أهمها البحث والدراسة عن كافة جوانب الحياة في ضوء معطيات الشريعة الإسلامية الشاملة والخالدة، وإن مهمتكم الكبيرة، إنما تكمن في الأخذ بأيدي مجتمعاتنا: ترشدونها، تصوبون مسيرتها، توجهونها الوجه السليمة والصحيحة، وصولا إلى تصورات واضحة، وبرامج عمل يسهل تطبيقها، من أجل تحقيق نظام اجتماعي واقتصادي إسلامي: شامل ومتكامل، يحقق للأمة الإسلامية، القدرة على التعامل والتفاعل، في إطار تحديات كبيرة، يفرضها الواقع، وتحتمها الظروف في ظل النظام العالمي المتغير.
إننا أيها السادة الأفاضل، نضع ثقتنا وتفاؤلنا في هذا المؤتمر: نتوقع منه، أن يخلص إلى عدد من الفتاوى العملية السديدة، وأن يقترح نماذج من طرق العمل الرشيدة والهادفة، وأن يضع من برامج التوجيه، ما يمكننا من مواجهة مشكلات هذا العصر، والتغلب عليها في آن واحد. نريد من مؤتمركم: أن يعمق للجميع، فقه الاجتهاد وأساليبه، وأن يكون هذا الاجتهاد، في إطار الأسس التي أجمع عليها السلف والخلف، قائما على ما جاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
نريد صياغة ملائمة، لكثير من النظم والإجراءات، التي تكفل النجاح لإدارة هيئات ومؤسسات المجتمع، تحقق لها الكفاءة والفاعلية، وتبعث في القائمين عليها شعور الفخر والاعتزاز.