مشروعية التلفيق:
للعلماء رأيان في التلفيق: رأي أكثر المتأخرين: المنع أو عدم الجواز، ورأي جماعة آخرين: الجواز.
ودليل القائلين بمنع التلفيق: هو التخريج على ما قاله علماء الأصول في الإجماع من منع إحداث قول ثالث إذا اختلف العلماء فريقين في حكم مسألة، فقال الأكثرون: لا يجوز إحداث قول ثالث ينقض ما كان محل اتفاق، كعدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فيها رأيان: وضع الحمل، وأبعد الأجلين، فلا يجوز إحداث قول يقول: إن عدتها بالأشهر فقط.
والواقع هناك فرق بين الحالتين:
أولاً – لأن موضوع إحداث القول الثالث مرفوض في حال اتحاد المسألة، بينما في التلفيق تكون المسألة متعددة.
ثانيًا – بناء على الرأي المختار، لم يكن في مسألة التلفيق ناحية متفق عليها، فالدلك في الوضوء مسألة كانت موضع اختلاف بين الأئمة، والنقض باللمس مسألة أخرى، وكلا المسألتين موضع خلاف، فالتلفيق فيهما لا يؤدي إلى خرق مجمع عليه، فالقياس مع الفارق (?) .
ويمكننا بالإضافة لذلك مناقشة دعوى بطلان التلفيق بطريقتين: طريقة المنع أو النفي، وطريقة إثبات العكس (?) .
أما طريقة المنع: فهي أن التلفيق مبني على واقع التقليد، وكل من التلفيق والتقليد من وضع المتأخرين، ولم يعرف التلفيق عند السلف، لا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته ولا في عهد أئمة المذاهب وتلامذتهم. أما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا مجال للتلفيق قطعا؛ لأنه عهد تبليغ الوحي الذي لا حاجة فيه للاجتهاد. وأما في عصر الصحابة والتابعين، فكذلك لم يعرف بينهم، وإنما كان السائل يسأل من شاء منهم، فيفتيه دون أن يلزمه بقوله، أو يحجر عليه العمل بفتوى غيره، مع علمه بكثرة تباين أقوالهم.