(3) التلفيق

ورأي الفقهاء والأصوليين فيه

أجاز أكثر المحققين من أتباع أئمة المذاهب تقليد المجتهد في المسائل الفرعية العملية التي تثبت بطريق اجتهادي ظني، لا في مسائل العقائد أو الأصول العامة، كمعرفة الله وصفاته ودلائل النبوة، وكل ما علم من الدين بالضرورة (البداهة) من جميع التكاليف الشرعية، كأركان الإسلام , وحرمة الربا والزنى، وحل البيع والزواج ونحوها.

وانتشرت ظاهرة التقليد بعد عصر أئمة المذاهب الاجتهادية في أوائل القرن الرابع الهجري، واستمرت إلى عصرنا، وكان من أثر انتشار التقليد بين المسلمين: أن أكثر العلماء المتأخرين بعد انتهاء القرن العاشر الهجري شرطوا لجواز تقليد مذهب الغير ألا يؤدي إلى التلفيق بين المذاهب، فحكموا ببطلان العبادة المركبة، بالاعتماد على أحكام متغايرة بين الأئمة، حتى إن بعض الحنفية حكى فيه إجماع المسلمين، والتزمه الشافعية حكما مقررا في مسائل الفقه، ولم يظهر كلام في التلفيق قبل القرن السابع الهجري.

قال ابن حجر وغيره من الشافعية: القول بجواز التلفيق خلاف الإجماع.

وأرى أن ادعاء الإجماع يحتاج إلى حجة ودليل، ولا دليل.

تعريف التلفيق:

التلفيق: هو الإتيان بكيفية لا يقول بها المجتهد. ومعناها أن يترتب على العمل بتقليد المذاهب، والأخذ في قضية واحدة ذات أركان أو جزئيات بقولين أو أكثر: الوصول إلى حقيقة مركبة، لا يقرها أحد، سواء الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، فكل واحد منهم يقرر بطلان تلك الحقيقة الملفقة في العبادة.

ويتحقق التلفيق إذا عمل المقلد في واقعة بالقولين معا، أو بأحدهما مع بقاء أثر الثاني. مثل أن يقلد شخص مذهب الشافعي في الاكتفاء بمسح بعض الرأس في الوضوء، ثم يقلد الذي صلى به على هذا النحو، لم يقل به هؤلاء الأئمة إذا عرض على كل واحد منهم على حدة، فالشافعي يعتبره باطلا لنقضه باللمس، وأبو حنيفة لا يجيزه لعدم مسح ربع الرأس، ومالك لا يقره لعم مسح جميع الرأس، أو لعدم دلك أعضاء الوضوء، وأحمد لا يصححه لترك مسح جميع الرأس، ونحو ذلك (?) .

ومن أمثلة التلفيق في الأحوال الشخصية: أن يتزوج امرأة بلا ولي ولا صداق (مهر) ولا شهود، مقلدا كل مذهب فيما لا يقول به الآخر. لكن هذا من التلفيق المؤدي إلى المحظور، فلا يجوز كما سنبين؛ لأنه يخالف الإجماع، ولم يقل أحد بهذه الصورة (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015