وأما ما نقل عن ابن عبد البر: أنه لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا، فلا نسلم صحة النقل عنه، ولو سلمنا ذلك لا نقر بوقوع الإجماع؛ لأن في تفسيق متتبع الرخص عن أحمد روايتين. وحمل القاضي أبو يعلي الرواية المفسقة على غير متأول ولا مقلد. قال ابن أمير الحاج في التقرير على التحرير: وذكر بعض الحنابلة: أنه إن قوي الدليل، أو كان عاميًّا لا يفسق، وفي روضة النووي والبحر المحيط للزركشي أن ابن أبي هريرة قال: لا يفسق.

شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام: وللعامي أن يعمل برخص المذاهب، وإنكار ذلك جهل ممن أنكره؛ لأن الأخذ بالرخص محبوب، ودين الله يسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج (?) . وحاصل ما جاء في أمالي عز الدين المذكور: أنه ينظر إلى الفعل الذي فعله المكلف: فإن كان مما اشتهر تحريمه في الشرع أثم، وإلا لم يأثم (?) .

وأرى أن الراجح جواز تتبع الرخص للضرورة أو الحاجة، دون تعمد التتبع أو قصد العبث والتلهي، وبشرط ألا يؤدي ذلك إلى التلفيق الممنوع الآتي بيانه؛ لأن تتبع الرخص أمر واقعي لا مهرب منه في واقع الإفتاء والاستفتاء، حيث يجوز للإنسان أن يعمل بما أفتاه به المفتي دون السؤال عن المذهب، فلو تعدد الاستفتاء لعالمين أو أكثر من علماء المذاهب، وأفتى كل عالم بمذهبه وجب على السائل العمل بالفتوى، وقد يقع في التلفيق من حيث لا يدري، وإن درى فهو معذور، إذ لا دليل على المنع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015