ثانيًا: بعد هذا التفصيل الموجز أقول: إخواني إن الإسلام كما تعلمون عقيدة وفكرة ومنهج ونظام، وهذه الرباعية المتسقة تتمحور كلها حول قضية العقيدة، إذا صححت مفاهيم العقيدة في الأمة اتضحت فكرة الأمة , ومن ثم اتضح مسارها المنهجي , ومن ثم اتضحت هويتها النظامية. والسؤال الذي هنا أطرحه على نفسي ويطرح علينا في كثير من الملتقيات الأوربية وفي كثير من الملتقيات الثقافية خارج البلدان الإسلامية، وهذه الأسئلة ألخصها إليكم وأعتبرها هي مثار سؤال واحد ينبغي أن يكون موضع اهتمامكم، يقول لنا غير المسلمين: هل المسلمون يصرون على أن السيادة الكاملة الشاملة في الأرض ينبغي أن تكون للإسلام عقيدة وفكرة ومنهاجًا ونظامًا فحسب أم أن المسلمين في إطار معاني لا إكراه في الدين يقبلون بسيادة النظام الإسلامي وهيمنته دون عقيدته على حياة الناس مع قبول استمرار كيانات سياسية غير مسلمة؟ ثم يقولون سؤالا ثالثًا: هل المسلمون يخولهم إسلامهم بقبول مبدأ المشاركة الدولية لتحقيق مصالح عليا للإنسانية , لتحقيق تعايش بشري على أساس من العدل والأمن والاستقرار؟ وهل المسلمون يصرون على أن لا يحقق العدل إلَّا بالسيادة السياسية من خلالهم أم أنهم يقبلون بكل ظاهرة تحقق العدل في الإنسانية ويصحبون هم شركاء في إقامة العدل بالأرض ويقبلون بالتعددية السيادية للكيانات السياسية من غير المسلمين؟ هذه أسئلة أيها الإخوة، أسئلة نواجهها ونحن نلتقي مع غير المسلمين بملتقياتنا وندواتنا وفي مؤتمراتنا ونجد أنفسنا، لا أقول عاجزين، ولكن مضطربين في الإجابة الدقيقة عليها؛ لأننا إذا رجعنا إلى كتبنا المرجعية نجد اختلافًا كبيرًا، والبارحة سهرت سهرة طويلة مع ما قدم في قضايا العلاقات الدولية وفي قضايا الغزو الفكري، مع تقديري لكل ما قدم من جهود، لكل ما قدم وبذل من إمكانيات ودراسات موضوعية وعلمية، لكن عندما يقترب الأخ من قضية العلاقات الدولية يصبح متحفظًا ويتحدث كلامًا مقننًا صغيرًا لا يستطيع أن يقول فيه شيئًا، فكأنه يرى أن هذه النقطة إما أنه غير مؤهل أو أنه محرج أدبيًّا أن يقول كلامًا أو يقول قناعاته، فأرجو أيها الأحباب في مثل هذا المجلس أن نكون صرحاء وأن نواجه القضايا بجرأة وبجدية وبموضوعية، وأن نكون موضوعيين مع أنفسنا حتى نستطيع أن نكون موضوعيين مع غيرنا وهذه قضية، قضية ثانية الحقيقة أريد أن أختم بها حديثي، عندما تحدث الأخ الكتور طه العلواني وهو يعيش الآن في الغرب وكنت أحسب أنني سأسمع منه كلامًا يشفي غليلي إلَّا أنني للأسف صدمت، صحيح أنه قال معاني كثيرة هي موضع اتفاق لاشك في ذلك , إلَّا أنني صدمت أنه قال معاني أحسبها أنها موضع نظر وتحتاج منه إلى مراجع لأنها تشكل أساسيات في الفهم الإسلامي في مواجهاتنا الدولية مع الآخرين، وبالتالي ما ينبغي نحن أن نواجه القضايا بعاطفية وأن نواجهها باستعلاء إيماني معزول عن واقعية، نعم الاستعلاء الإيماني عندنا شيء أساسي لاشك في ذلك , لكن هذا الاستعلاء الإيماني كيف تعامل من خلاله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه ومع خصومه ومع غير المسلمين؟ نجد أن السيرة في الحقيقة تكتنز لنا كثيرًا من المآثر التي تجعلنا أن نعيد النظر في قضية تعاملنا مع غيرنا مع الحفاظ على الثوابت والمنطلقات ومع الحفاظ على الاستعلا الإيماني في إطار قوله تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} .

هذه مداخلة متواضعة ورؤوس أقلام ما أردت أن أفصل بها والتفصيل بها يطول , وشكرًا لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015