أعتقد أن حجم الغزو الفكري أكب من أن يكون حجم فرد، وأكبر من أن يكون حجم كتاب أو صحيفة أو ما إلى ذلك، إنه حجم دول، دول كاملة، العالم الغربي كله وأمريكا معه، كلها تشترك في هذا الغزو الفكري المعاصر، وتخصص له من الإمكانيات المادية ما لو استعرضناها لأصحبنا في خجل من أمرنا حين نتكلم عن الاتفاقات التي ننفقها في مجال التعليم أو حتى في مجال الدعوة الإسلامية. النقطة التي بعدها، ما هي آثاره؟ ما هي آثار هذا الغزو الفكري في عالمنا المعاصر الآن؟ أعتقد أن آثاره تبرز فيما نحن عليه الآن من وضع في كل مناحي حياتنا على المستوى السياسي، نحن كمسلمين الآن نقبل بالديمقراطية الغربية ونقبل بالتعددية الحزبية ونصر عليها ونعتبرها مظهرًا من مظاهر التقدم والحضارة، ولا أعتقد أن أحدًا منكم يستطيع أو على الأقل يمكن أن يدلني على تأصيل التعددية الحزبية تأصيلًا إسلاميًّا. المظهر الثاني في النشاط الاقتصادي، أصبحنا نحن الآن ندعو ونتمسك ونتعامل بالنظام الاقتصادي الحرّ، ولا أعتقد أن هذا له علاقة بنظامنا الاقتصادي الإسلامي الذي يدعو إلى توزيع الثروة بالعدالة , ويدعو إلى كل ما يمكن أن يحقق للفرد كرامته ويبعد عنه سرقة أمواله، كان لذلك أيضًا آثاره في مظاهرنا السلوكية، أصبحنا نميل إلى أن نقلد الغرب في كل مظهر سلوكي ابتداء من ملابسنا وبطرق أكلنا ومواصلاتنا ومسكننا وما إلى ذلك، وهذا ربما نعذر فيه لأنه يعتبر من تقليد المغلوب للغالب كما يقول بعض العلماء، من مظاهره أيضًا أننا أصبحنا ننفتح على الفكر الغربي انفتاحًا كبيرًا لدرجة أنه تسربت من ذلك كل القضايا التي تحدثت عنها هذه البحوث، وأصبحنا نتحرج من أن ننفتح على الفكر الإسلامي، وحتي أولئك الذين درسوا في الغرب وتعلموا لغته لم يستطيعوا أن ينفتحوا على فكرنا الإسلامي وأن يقدموه للعالم، وتركوا المجال للآخرين أن يقدموا الفكر الإسلامي بالصورة التي يريدها. الذين ملكوا اللغة العربية يتحرجون حتى من تحقيق كتاب أو من نقله إلى لغة أخرى لأن ذلك يعتبر مظهرًا من مظاهر التأخر كما يقولون، الأثر الكبير هو اختفاء الشعور الإسلامي، هذا هو الأثر الخاتم لهذه الآثار التي غزانا بها الفكر الغربي. نحن نعيش اليوم في عصر يذبح فيه المسلمون في كل مكان ويقتلون بأبشع صور، ونشاهد ذلك أمام أجهزة الإعلام ولا نحرك ساكنًا بل نتندر أحيانًا بما نفعل، وأحسن حال أن يقول بعضنا: لا حول ولا قوة إلَّا بالله، هذه هي في تصوري آثار الغزو الفكري الذي نحن نعيشه الآن، والسؤال المهم والخاتم، ما العمل؟ هل يمكن بكتابة كتاب حول الغزو الفكري أن نفعل شيئًا؟ هل يمكن بإقامة ندوة أن نفعل شيئًا؟ أعتقد أنه كما أن الحجم حجم دول فإن المجابهة يجب أن تكون مجابهة دول، ما لم تتبنى الحكومات الإسلامية وعدتها الشعوب الإسلامية خطة تستهدف تحسين العالم الإسلامي بتربية إسلامية نقية تدخل كل مدارسنا ومؤسساتنا العلمية فإننا لن نستطيع أن نخلق النموذج المسلم الذي يستطيع أن يجابه هذا الفكر الغازي وشكرًا.