تأتي بعد ذلك المرحلة الرابعة ربما، وهي المرحلة ما بعد استعمار العالم الثالث، تلك المرحلة التي قسم بها العالم الإسلامي، قسمت فيها دول العالم الإسلامي، هذه المرحلة استهدفت شيئًا آخر، استهدفت وضع الحدود بين دول العالم الإسلامي كما تعلمون، كان المسلمون يتواصلون , وكان الإنسان المسلم يذهب من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق يدرس ويتزوج ويمتلك ويعيش ولا أحد يتعرضه ولا أحد يتوجس خيفة منه، ولنا في العلماء الكبار صور كثيرة أنتم أعلم بها أيضًا , فبعد استعمار العالم الثالث وضعت الحدود بين دول العالم الإسلامي , وبوضع الحدود تم قطع التواصل بين أفراد العالم الإسلامي، وخاصة بين مثقفيه. والنتيجة أننا لا نعلم شيئًا عن الآخر , ولولا هذه المؤتمرات التي تجمعنا فإننا لا نعلم عن بعضنا شيئًا إلَّا ما يقال عبر إذاعات الغرب، لا أحد يعلم بما في الشرق من إصدارات ثقافية , ولا أحد يعلم بما في الغرب من إصدارات ثقافية أيضًا، وبقطع التواصل الثقافي تم إدخال الريبة والتوجس من المسلمين بعضهم ببعض، وبدأنا نشك في كل كلمة يقولها إنسان مسلم آخر ونحورها إلى مناحٍ شتى نتيجة عدم علمنا بما يجري بداخل هذه الأمة، أنا أشك في جاري التونسي، وجاري التونسي يشك فيَّ أنا كذلك، وهكذا بقية العالم الآخر الذي أدت هذه الحدود نهائيًّا ما يدور في العالم الإسلامي بين أجزائه، ثم تأتي المرحلة المعاصرة، وهي التي دخلت فيها الصهيونية كطرف في الصراع قوي جدًّا والتي أدت إلى نشوء التيارات الفكرية المختلفة , وأدت إلى ظهور الحركات الهدامة، ونعرف اليوم في جميع أنحاء العالم الإسلامي كثيرًا من الحركات الهدامة كالليونز والروتاري وشهود يهوه وما إلى ذلك، ويتم الإعلان عنها في دول العالم الإسلامي في كل مكان وبصورة واضحة، هذه في تصوري تاريخ هذه المرحلة مرحلة الغزو الفكري، أما جناحاه فإنني أحصرهما في شيئين اثنين الجناح الذي تعامل مع العالم الإسلامي أكاديميًّا، وكما يقولون علميًّا ولا أعتقد بأنه علمي، وهو الاستشراق، والاستشراق تعهد للعالم الغربي بأن يعرف الغرب بالعالم الإسلامي بأن يعرفه بكل شيء ثم يتولى بعد ذلك مهمة تسريب كل الأفكار التي يريدها الغربيون كما تحدث فضيلة الدكتور طه ـ حفظه الله ـ لكن هذا الاستشراق الآن قد أدى إلى أن يكتسب منه المسلمون حساسية معينة، ولذلك في المؤتمرات الأخيرة للاستشراق أعلنوا عن موت الاستشراق، ولم يعد هناك كما يتصورون استشراقًَا، بينما تدل الإحصاءات على أن اثني عشر في المائة من ميزانية التعليم يخصص لتكون المستشرقين الذين هم خبراء شرق أوسطيين الآن , وإذا حولنا هذا الرقم اثنا عشر في المائة إلى رقم عددي فإنه ما يقرب من أربعين ألفًا كما تدل المصادر، أما الجناح الآخر وهو التنصير، وهنا أنبه إلى أن مصطلح التبشير مصطلح خاطئ، ولا أعتقد أن له أصلًا لغويًّا, التنصير وهو ذلك الذي تولى الدخول إلى بلدان العالم الإسلامي في تلك المناطق التي لا يستطيع الفكر أن يدخلها دخل بآلياته المختلفة , وأنا لا يهمني فيه الشكل القديم الذي كما تعرفون يعتمد على الخبز والدواء والعلاج، وإنما يهمني به الشكل المعاصر الآن، ومن الشكل المعاصر أذكر تلك الخطة الجهنمية التي يحاول المنصرون الآن استخدامها في مواجهة المناطق التي يسمونها مغلقة أمام العمل التنصيري، هذه المناطق التي يقصدون بها دول العالم الإسلامي التي لا يمكن للتنصير أن يدخل فيها علنًا، هذه الخطة يسمونها بالجوالون، والجوّالون هم أولئك النفر من الناس الذين يدخلون إلى العالم الإسلامي تحت ستار العمل في الشركات والمؤسسات التجارية المختلفة، وهؤلاء يتم اختيارهم بصورة دقيقة، وتدل المصادر على أن بعض الدول الإسلامية قد أخذت بعض العاملين من مصر، وكان التخطيط أن يتم أخذهم كلهم من الأقباط وبتخطيط من الكنيسة، وهذه الفكرة فكرة الجوالون يستهدف منها محاولة الوصول إلى ما لم تصل إليه جحافل المنصرين علانية. إذا انتقلنا إلى نقطة أخرى، ما هو حجم الغزو الفكري؟