الشيخ محمد الزياني:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

موضوع الغزو الفكري من المواضيع التي كانت ولا تزال السمة البارزة في كتابات هذا القرن منذ بدايته، ولكثرة ما كتب فيه من كتب ومقالات ولكثرة ما عمل حوله من ندوات على مدار هذا القرن، فقد خيل للبعض أن هذا الموضوع هو نوع من الوهم، ولذلك رأينا باحثًا إسلاميًّا يصدر في الفترة الأخيرة كتابًا بعنوان الغزو الفكري وهم أم حقيقة؟ وعلى أساس ذلك كان اطلاعي على بعض البحوث وليس على كلها اطلاعًا جزئيًّا لعدم وجود الوقت لذلك ,ولذلك أجدني أختلف مع معظم البحوث على الأقل في تحديد بدايات هذا الغزو، ومعظمها مال إلى أن هذا الغزو الفكري قد بدأ في أكثر الأحوال منذ الحروب الصليبية، وأنا أعتقد أن الغزو الفكري أمر استهدف العقيدة الإسلامية، ولذلك فهو قد بدأ منذ صدع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, الغزو الفكري مرحلته الأولي تبدأ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت أدواتها تتمثل في الشرك والنفاق إلى جانب اليهود، وحتى ما تناولته هذه البحوث التي نحن بصددها اليوم من قضية الطعن بالقرآن الكريم وأن المستشرقين يطعنون في القرآن الكريم بأشكال متعددة، فإن هذه أيضًا ليست جديدة، فلقد تم ذلك في الفترة المبكرة التي أشرت إليها وقد عبر عنها القرآن، ونظرًا لخطورتها وأثرها في الدعوة الإسلامية فقد تكفل القرآن بالرد عليها وكان الرد قويًّا لدرجة أنه لا يمكن أن يتحمل أي طعن جديد {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} ليس هناك طعن أكثر من هذا الطعن في مصدرية القرآن وليس هناك رد أبلغ من هذا الرد، ولذلك كل محاولات المستشرقين بعد ذلك في تناول القرآن بالطعن تعتبر ثانوية إذا ما قيست بهذه القضية، ثم بعد ذلك توالت صور الغزو الفكري في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، من تلك الفتن التي أثارها المنافقون وتلك الأسئلة التي كان يثيرها اليهود أيضًا من حين لآخر مستهدفين بها خلخلة أفكار المسلمين وخلخلة عقائدهم، وأنتم أعلم بهذا مني ولا داعي للتذكير بها، بعد ذلك جاءت المرحلة الثانية، وهي مرحلة ما بعد الخلافة الراشدة والتي توسعت بها صور الغزو الفكري وشملت تدخل اليهود في الفكر الإسلامي من خلال بعض المفاهيم التي سربت إلى هذا الفكر والتي نتج عنها كما تعلمون ما يسمى بالإسرائليات، ونتج عنها في الإطار الآخر تجديد الطائفية والفرقة والتنازع بين المسلمين، ثم تأتي المرحلة الثالثة والتي أشارت لها بعض البحوث وهي مرحلة ما بعد الحروب الصليبية، ومرحلة ما بعد الحروب الصليبية كانت نتيجة لتاريخ مطول أو تاريخ طويل من الصراع بين الإسلام والكفر، هذا الصراع اتخذ مظهرًا مسلحًا عبر كل اللقاءات التي لقي المسلمون فيها أعداءهم، وهذا النوع من الصراع كانت الغلبة فيه دائمًا للمسلمين على الرغم من قلة العدد والعدة في كل المعارك الإسلامية، ولذلك جاءت ثمرة الحروب الصليبية أن تعطي مؤشرًا بأن هؤلاء المسلمين لا يمكن لأي إنسان أن يتغلب عليهم لأن في دينهم شيء يسمى الجهاد، فالجهاد لابد أن يطمس من حياتهم حتى يمكن التغلب عليهم، من هنا حصل التحول الخطير في تاريخ العلاقات الإسلامية الغربية أو اليهودية، وبدأ المشركون بجميع أشكالهم يخططون لما يمكن أن يسمى بالغزو الفكري اليوم، تعلمون أن موضوع الجهاد من أخطر المواضيع، ويوم أن ابتعد المسلمون عن الجهاد فإن الخط الحضاري الذي كان يصعد بدأ ينحدر , وهذه المشكلة مشكلة الجهاد لا زالت حتى هذه اللحظة تعد من أخطر المسائل التي إذا بحث فيها المسلمون دق ناقوس الخطر عند أعدائهم، وحتي في صراعاتنا الحالية تتولى وكالات الأنباء بجميع أنواعها وصورها طمس هذا المفهوم، حتى إذا تحدثت عن قتلى المسلمين فلا تقول استشهد من المسلمين كذا أو استشهد في فلسطين كذا وإنما تقول قتل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015