12- الدفاع والتبليغ: فمن بين الأسس الراسخة التي يجب اعتمادها في مقاومة الغزو الفكري أن المقاومة خير وسيلة للدفاع، والوقاية خير من العلاج، والتحصن المبكر أفضل من انتظار العدوى، لهذا من الطبيعي جدًّا أن تتحرك المقاومة في خطوط متواصلة، ودفاعات منتظمة بحيث لا تنتظر في قواعدها وخنادقها، بل تتقدم في نقاط أمامية، ومواقع تبادلية.
فبدلًا من انتظار وقوع الغزو علينا استخدام كل الوسائل التي تحول دون وقوعه.. كما ينبغي الانتقال إلى مواقع الأحداث لأن ذلك يتيح لنا متابعة ذكية، وصدًّا نشطًا واكتشافًا مبكرًا، وبذلك نتابع الأحداث فور وقوعها، ونتعقب التغييرات حال قيامها مما يجعلنا باستمرار على بينة بما يدور على المسرح وخلف ستائره، بما يجري عندنا وحولنا، ومثل هذه المتابعة لا تقتصر على مجرد رصد الأحداث، بل المشاركة أيضًا في صنعها.
فالقوة اليوم ليست في انتظار ماذا سيحل بنا من هجوم، أو يطرأ علينا من غزو، بل في تداركه قبل وقوعه، واكتشافه قبل بدايته.
لهذا كانت الدعوة الإسلامية دفاعًا وتبليغًا (?) .
13- التربية الإسلامية: لا سبيل إلى تحقيق تلك الأسس والوسائل التي تحدثنا عنها فيما مضى إلا بالتربية الإسلامية، والتنشئة الإسلامية، التي يمكن بها إعداد الإجيال إعدادًا صالحًا وسليمًا ومستقيمًا، وراسخًا وعميقًا، وبهذه التربية نضمن حصانة للأجيال يعصمها من الانحراف، ويمنعها من الانزلاق.
لقد انتصر المسلمون بالتربية الصالحة، وبناء الأجيال وصياغتها على الإيمان والرجولة، ثم إعادة صياغتها كلما واجهتهم الأزمات، وفي مختلف الأحداث الضخام، ففي مواجهة حملات الصليبيين والتتار والفرنجة أعاد المسلمون تكوين الفرد المسلم على أخلاق الإسلام، فاستطاعوا أن يحققوا النصر على نفس المستوى الذي حققه المسلمون الأوائل، أو قريبًا منه.
وقد فهم المسلمون أن التربية في مفهوم الإسلام تعتبر الفرد المسلم بناء متكاملًا , قوامه الروح والعقل والجسم، وتعني به وفق فهم شامل، أساسه الإيمان بالله، والعمل في الأرض من أجل النماء والبناء والإنشاء.
وتقوم التربية الإسلامية على بناء الفرد في البيت بالقدوة، وإقامة علاقة وطيدة بين البيت والمدرسة من خلال الأب والأستاذ والمتعلم جميعًا، كما أكد علماء التربية الإسلامية على ضرورة تلقي العلم من الأساتذة لا من الكتب وحدها، وربطوا بين التعليم والتربية على أساس أن العلم وحده لا يكفي، مالم تصحبه تربية الذوق والعقل والروح.
وقوام التربية الإسلامية أساسًا هو (الأخلاق) , ولا يقر الإسلام الفصل بين التعليم والتربية أو بين التربية والأخلاق.
وفي مفهوم الإسلام: أن العلم لابد أن تحميه وتظاهره قيمة أخلاقية واضحة، وذلك حتى لا ينحرف أو يفسد أو يتجه وجهة ضارة بالمجتمع الإنساني؛ لقد آمن المسلمون بأن العلوم الحديثة لا تنهض بالمسلمين نهوضًا حقيقيًّا إلا إذا حصلت ضمن دائرة لغتهم وتاريخهم ومشربهم.