المحور الثالث
العلمانية والحداثة
أولًا: ـ اتجاهاتها الخطيرة في محاربة الإسلام.
ثانيًا: ـ الطريق الأنجح في دفع تحركاتهما العدوانية وردّ نشاطاتهما المتنوعة في المجالات الفكرية، والتعليمية والإعلامية
1- معنى العلمانية وأثرها في فكر المسلمين:
لفظ العلمانية ... قد تشعر الكلمة في اشتقاقها أنها تعني رفع شعار العلم، ومن ثم فلا تعارض بينها وبين الإسلام.. بل إنها إحدى وسائل الإسلام وبعض أهدافه.
وهو ما نحسب أنهم قصدوا إليه حين ترجموا معنى الكلمة في لغتها الأصلية.. ليقع المسلمون، في هذا الوهم (?) . فالعلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية، أو (Secularite) بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ (العلم) ومشتقاته على الإطلاق. فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه (Science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة (Scientism) (?) والنسبة إلى العلم هي (Scientific) أو (Scientifique) في الفرنسية.
والترجمة الصحيحة للكلمة هي (اللادينية) أو (الدنيوية) ، لا بمعنى ما يقابل الآخروية فحسب، بل بمعنى أخص هو: ما لا صلة له بالدين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد، ومن ثم كانت العلمانية تعني اللادينية. فالعلمانية هي أول عناصر الاتجاه الليبرالي الديمقراطي الذي ساد حياة المسلمين بتأثير الاستعمار. وكان ذلك أخطر النتائج، وأعمق الآثار التي حفرها الاستعمار، وخلفها من بعده؛ عزل الإسلام عن الدولة, وعن توجيه الحياة العامة، وعن قيادة المجتمع.
وبعبارة أخرى: العمل على سيادة المفهوم الغربي لما يسمى دينًا، وما يسمى دولة، وتأكيد الفصل بينهما، حتى لا يعود في يوم قريب إلى الدين سلطانه، فيسيطر على الدولة ويوجهها.
يقول المستشرق الفرنسي (هانوتو) : (إن الإسلام دين وسياسة، وإن شعور المسلمين مبهم من حيث الجامعة السياسية أو الرابطة الوطنية، فالوطن عندهم هو الإسلام، وهم يقولون: إن السلطة مستمدة من الألوهية، فلا يجوز أن يتولاها إلا المسلمون) (?) .
ثم أشار (هانوتو) إلى نجاح فرنسا في فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية، في تونس، وقال: (إنها قد استطاعت أن تحقق هذا الانقلاب العظيم بلباقة وحذق، دون أن تثير ضجيجًا أو تذمرًا، فتوطدت دعائم السلطة المدنية من غير أن يلحق بالدين مساس، وتسربت الأفكار الأوربية بين السكان بدون أن يتألم منها إيمان المحمدي (يعني المسلم) وبذلك انفصل الحبل بين هذا البلد والبلاد الإسلامية الأخري، الشديدة الاتصال بعضها ببعض) ودعا (هانوتو) في آخر كلامه إلى أن تتخذ تونس مثالًا يقاس عليها ونموذجًا ينسج على منواله.