ومن أخطر الوصايا التي تجاهلها المسلمون، والتي كانت بعيدة الأثر في حمايتهم من ضربات الغزو الفكري والتغريب، لو أنهم حرصوا على التمسك بها، هي دعوة القرآن لهم إلى (الحذر) من الأوهام والشبوهات التي حفل بها التاريخ القديم، وذلك بعد أن كشف القرآن عن زيفها وأبان وجه الحق في مختلف القيم التي طرحت، وخالفت كلمة الله، وتعارضت مع الفطرة والعقل.
ولو أن المسلمين تمسكوا بهذا التحذير لكفاهم ذلك عن كثير مما وقعوا فيه من محاذير، وقد بين القرآن الكريم محاولة الاحتواء في أكثر من موضع، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (?) .
وقال جل شأنه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (?) .
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} (?) .
كما حذر الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوقوع في خطر العقائد الزائفة وأن الله قد ختم به النبوة والرسالة وأمر المسلمين بما أمرهم به القرآن الكريم من النظر في ملكوت السموات والأرض، كما حثهم على طلب العلم، وبين لهم أن أي علم نافع أوتيه المسلم فهو أحق الناس به.
لقد كان لإحياء الفكر البشري القديم آثاره البعيدة في إثارة الشبهات وإحياء الزندقة والإباحية، غير أن علماء المسلمين وأئمتهم قد واجهوا هذه الأزمة الخطيرة، ودحضوا الشبهات وأبانوا وجه الحق في الأمور كلها.