ثم قال ابن رشد: " وقول ابن القاسم هو القياس، لأن الحرام قد ترتَّب على ذمته فليس متعينًا في جميع ما في يده من المال بعينه شائعًا ... وأما قول أصبغ فإنه تشديد على غير قياس".
وأما الحال الثانية: وهي أن يكون الغالب على ماله الحرام فالحكم فيما يجب على صاحبه في خاصة نفسه على ما تقدم سواء.
وأما معاملته وقبول هديته فمنع من ذلك أصحابنا، قيل على وجه الكراهة – وعزى هذا القول إلى ابن القاسم – وقيل على وجه التحريم إلَّا أن يبتاع سلعة حلالًا فلا بأس أن تشترى منه وأن تقبل منه هبةً ... (?) .
وقال العز بن عبد السلام: " وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة ... " (?) ، ومثله قال الزركشي (?) .
بل إن السيوطي ذكر أن الأصح عند فقهاء الشافعية – ما عدا الغزالي – أنهم لم يحرموا معاملة من أكثر ماله حرام إذا لم يعرف عينه، ولكن يكره، وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام على يده كما قال في المهذب: إن المشهور فيه الكراهة، لا التحريم خلافًا للغزالي ... قال في الإحياء " لو اختلط في البلد الحرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه بل يجوز الأخذ منه إلَّا أن يقترن به علامة على أنه من الحرام "، وقال: ويدخل في هذه القاعدة تفريق الصفقة، وهي أن يجمع في عقدين حرام وحلال، ويجري في أبواب وفيها غالبًا قولان، أو وجهان أصحهما الصحة في الحلال، والثاني البطلان في الكل ... ومن أمثلة ذلك في البيع أن يبيع خلًّا وخمرًا ... (?) ، وقال ابن المنذر: اختلفوا في مبايعة من يخالط ماله حرام، وقبول هديته وجائزته، فرخص فيه الحسن، ومكحول والزهري والشافعي، قال الشافعي: " لا أحب ذلك، وكره ذلك طائفة ... " (?) .