وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة تفصيلًا حينما سئل سؤالًا لا نزال نسمعه حتى في عصرنا الحاضر، وهو: أن رجلًا نقل عن بعض السلف من الفقهاء: أنه قال: أكل الحلال متعذِّر لا يمكن وجوده في هذا الزمان، فقيل له: لم ذلك؟ فذكر: أن وقعة المنصورة لم تقسم الغنائم فيها، واختلطت الأموال بالمعاملات بها، فقيل له: إن الرجل يؤجر نفسه لعمل من الأعمال المباحة، ويأخذ أجرته حلال، فذكر أن الدرهم في نفسه حرام.

فأجاب – رحمه الله – هذا القائل.. غالط مخطئ ... فإن مثل هذه المقالة كان يقولها بعض أهل البدع، وبعض أهل الفقه الفاسد، وبعض أهل الشك الفاسد، فأنكر الأئمة ذلك حتى الإمام أحمد في ورعه المشهور كان ينكر مثل هذه المقالة ... وقال: انظر إلى هذا الخبيث يحرم أموال المسلمين.

ثم ذكر خطورة آثار هذا التصور الفاسد، منها أن بعض الناس ظنوا ما دام الحرام قد أطبق الأرض، إذن لماذا البحث عن الحلال؟ فاعتبروا الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما حرموا منه، وبعضهم اخترعوا الحكايات الكذبة بحجة الورع.

ثم ردَّ على هذه المقالة، وبين بأن الغالب على أموال المسلمين الحلال، ثم ذكر عدة أصول:

"أحدها: أنه ليس كل ما اعتقد فقيه معين أنه حرام كان حرامًا، وإنما الحرام ما ثبت تحريمه بالكتاب أو السنة، أو الإجماع، أو قياس مرجح لذلك، وما تنازع فيه العلماء رد إلى هذه الأصول "، ثم بين بأن حمل المسلمين على مذهب معين غلط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015