وعلى ضوء ذلك فمسألتنا هذه من النوع الثاني حيث كلامنا في أسهم شابتها بعض تصرفات محرمة كإيداع بعض نقودها في البنوك الربوية، وحتى تتضح الصورة أكثر نذكر نصوص الفقهاء في هذه المسألة:

يقول ابن نجيم الحنفي: " إذا كان غالب مال المهدي حلالًا فلا بأس بقبول هديته، وأكل ماله ما لم يتبين أنه حرام، وإن كان غالب ماله الحرام لا يقبلها، ولا يأكل إلَّا إذا قال: إنه حلال ورثه، أو استقرضه "، ثم ذكر أنه إذا أصبح أكثر بياعات أهل السوق لا تخلو عن الفساد والحرام يتنزه المسلم عن شرائه، ولكن مع هذا لو اشتراه يطيب له. وقال أيضًا: " إذا اختلط الحلال والحرام في البلد فإنه يجوز الشراء، والأخذ إلَّا أن تقوم دلالة على أنه من الحرام، كذا في الأصل (?) .

ثم ذكر صورًا أخرى فقال: " ومنها البيع، فإذا جمع بين حلال وحرام في صفقة واحدة، فإن كان الحرام ليس بمال كالجمع بين الذكية والميتة، فإنه يسري البطلان إلى الحلال لقوة بطلان الحرام، وإن كان الحرام ضعيفًا كأن يكون مالًا في الجملة كما إذا جمع بين المدبر والقن ... فإنه لا يسري الفساد إلى القن لضعفه ... " (?) .

وقال الكاساني: " كل شيء أفسده الحرام، والغالب على الحلال فلا بأس ببيعه " (?) .

وقد أفاض الفقيه ابن رشد في هذه المسألة، نذكر منها ما يلي: حيث قال: " فأما الحال الأولى: وهي أن يكون الغالب على ماله الحلال فالواجب عليه في خاصة نفسه أن يستغفر الله تعالى، ويتوب إليه بردِّ ما عليه من الحرام ... أو التصدق به عنهم إن لم يعرفهم ... وإن كان الربا لزمه أن يتصدق بما أخذ زائد على ما أعطي ... ".

ثم قال: " وإن علم بائعه في ذلك كله ردّ عليه ما أربى فيه معه فإذا فعل هذا كله سقطت حرمته، وصحت عدالته، وبرئ من الإثم، وطاب له ما بقي من ماله، وجازت مبايعته فيه وقبول هديته وأكل طعامه بإجماع من العلماء.

واختلف إذا لم يفعل ذلك في جواز معاملته، وقبول هديته، وأكل طعامه فأجاز ابن القاسم معاملته، وأبى ذلك ابن وهب وحرَّمه أصبغ ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015