المسألة الأولى: في أدلة القائلين بهذه القاعدة (?) :
استدل القائلون بصحة هذه القاعدة: بأن الخبر الذي هذه صفته لا يقبل؛ لأنه زيف؛ ذلك أن الصحابة هم الأصول في نقل الدين ولا يتهمون بالكتمان ولا بترك الاحتجاج بما هو الحجة والاشتغال بما ليس بحجة.
فإذا ظهر منهم الاختلاف في الحكم وجرت المحاجة بينهم فيه بالرأي -والرأي ليس بحجة- مع ثبوت الخبر فلوكان الخبر صحيحاً لاحتج به بعضهم على بعض حتى يرتفع به الخلاف الثابت بينهم بناءً على الرأي فكان إعراض الكل عن الاحتجاج به دليلاً ظاهراً على أنه سهو ممن رواه بعدهم أو هو منسوخ.
وقد يعترض على هذا بأن يقال: لا يخلو حين اختلاف الصحابة في المسألة من أن يعلموا جميعاً أو يعلم بعضهم أن فيها دليلاً عن رسول الله (أو أن لا يعلموا بأجمعهم، فإن علموا بالدليل ومن ثم تركوه جميعاً قائلين بأنه لم يصح عن رسول صلى الله عليه وسلم فيها شيء؛ فإن ذلك والقول والفعل إجماع منهم على عدم صحته وأنه مطعون فيه أو منسوخ وإجماعهم حجة، وإن علمه البعض دون البعض الآخر، فإن كان موافقاً لقولهم ولم يحتجوا به وقالوا عن الحديث بأنه لم يثبت عن رسول صلى الله عليه وسلم فقد يقال: إنه لا يصح لاحتمال أنه إذا سمعه المخالف لهم قد يقر به عن الرسول عليه السلام ويرجع عن قوله. وإن كان مخالفاً لقولهم موافقاً لقول مخالفيهم فترك من علمه العمل به لا يدل على عدم صحته لما سبق، وإن لم يعلم به الجميع فلا يخلو من أن يكون مخالفاً لقول الجميع أو لا، فإن كان مخالفاً لقول الجميع فهذا دليل على أنه غير صحيح ثم هذا لا يتصور وقوعه لعصمة الله أمة محمد (من الاجتماع على ضلالة فإن وقع فهذا دليل على بطلانه، وإن كان الحديث موافقاً لأحد القولين، فهذا متصور وقوعه ومن ثم فالراجح من القولين ما وافق الحديث.