الشاعر يجاهد بجماليات القول لبناء قيم الحق والخير والجمال في حياة دائبة الحركة، كثيرة التغيّر في المشاعر والأفكار والقيم، ولهذا كان لابد له أن يتجدّد مع الحياة، فيخاطب الحياة بمنطقها والعصر بشفرته، والناس بلغتهم، فالشكل التقليدي للقصيدة العربيّة ومستويات المبنى والمعنى في النص الشعري القديم يجب أن يخضع لمنطق الحياة فيتجدّد، لأن قيم الحياة تبدّلت، ولابد أن تتبدل قيم التعبير ((لقد تغيّر كل شيء في حياتنا، حتى أحكام العقل، واتسع صدر الحياة لهذا التغيير، فلماذا يقف الشعر بقوالبه الجامدة، وحدوده المتصلّبة، لا يتغيّر مع طاقات الجيل الجديد، ومع مقاصده وأغراضه؟! ، وبدأت التجربة بين زحف ونهوض ... وأشهد أنها انطلاقة، إن دامت لها قوّة الدفع، خرجت بالشعر العربي إلى أوسع آفاقه وأجزلها عطاءً)) (?) .
هذا حدس الفنان ورؤيته الاستشرافيّة، أدرك أن الوقوف في وجه التجديد - وهو من أكثر شعرائنا إحكاماً لشعره وعناية به - وقوف ضد حركة الحياة. وتحققت الانطلاقة، وفتح الشعر الحديث سياقاً جديداً في الشعر العربي ستكون له شفرته الخاصة، وهو ما تنبأ به شاعر كبير في منزلة حمزة شحاتة.
ومع أن حمزة شحاتة يجعل الشعر مقوّم حياة، فإنه يرى أن الشعر الجميل الذي “ يرفع درجة الانفعال ” لم يعد الاشتغال به أمراً ذا جدوى، لأن ((تيّار الحضارة الآن مليءٌ بأسباب الانفعال، والإنسان في حاجة إلى ما يريح توتّره ويُرضي أعصابه، إن أية امرأة واعية تهزأ بأن تصنع فيها شعراً.. والشعر بلاشك، سذاجة إنسانية، لم يعد الاشتغال به معقولاً في عصر العلم، وما حققه من غرائب وملهيات، تغني عن كل شعر، وكل شاعر)) (?) .