أما خيال الفنان في إدراك الجمال، فيتمثل في الحدس، واستكناه الجوهر، والبحث عن الغرائبي والمدهش، وهذه الرؤية النافذة لا تتأتى إلا لمن يملك حسّاً جمالياً عميقاً، نلمس هذا في حديثه عن جماليات الأدب، وجماليات المكان، وجماليات الإنسان، حيث كانت آراء متفردة، لم تكن لتتحقق، لولا خياله الخلاّق، ونظراته المحلقة.
الصرامة والحدس أهم وسائل الإقناع عند حمزة فالعقل والحجة الدامغة لا تكفي لزراعة القيم الجماليّة، كما أن الخيال المتدفق لا يصنع وحده وعياً جمالياً. فالإنسان عقل ووجدان، والخطاب الجمالي يجب أن يتأسس على هذين البعدين معاً (?) .
هذان هما المفتاح لبناء وعي خلاّق، فمتى التمسنا الولوج إلى عالم الإنسان بغير هذا المفتاح، ضللنا الطريق، وفقدنا الأداة، وتعثرت الجهود.
حمزة شحاتة جعل من التعرية والتجريد مذهباً في حياته لأنه لم يرد أن يكون زعيم القبيلة، وإنما أراد أن يكون قديسها و ((الفرق بين زعيم القبيلة وقديسها أن الأخير مطالب دائماً بالتزام الحقيقة والتجرد)) (?) .
التجريد نظرة حيادّية فاحصة، لا تكون إلاّ لمن يستعلي بذاته وفكره على القيود المكبلة، والقوالب الجاهزة، وهؤلاء هم المفكرون ((لا تكون النظرة إلى حقائق الحياة والفكر خالصة إلا من أناس يرون أنفسهم فوق قيودها وقوالبها، وهؤلاء يدعون بالمجانين تارة، وبالفلاسفة وقادة الفكر تارة..)) (?) .
“ والصرامة والحدس ” جعلتا من حمزة شحاتة فيلسوفاً ومتذوقاً وناقداً في آن واحد - بمعزل عن أنه كان مبدعاً للجمال - فهو فيلسوف حين يتأمل، ويفكّر، ويحلّل، ومتذوق عندما يستمتع بما ينطوي عليه الجمال من سحر وإبداع، وناقد إذ يبحث عن القيمة ويتحدث في التقويم.