((لهذا ستكون نظرتنا إلى الفضائل - على أن أساسها التجريد القاسي - نظرة من يريد أن ينطلق بها من حدودها الضيقة المتصلبة، إلى حدود رحيبة من الشك والوسواس، خاضعاً لسعة إدراكه لأطرافها، وخفاياها ورموزها، وعلاقاتها بأشباهها، وهو لا يفعل بها هذا ليضعفها، بل ليبلغ بها أبعد حدود القوة والاحتمال)) (?) .
والتجريد وضوح وتعرية، يطمح من خلاله المفكر إلى كشف جوهر الأفكار والأشياء والأشخاص، ليتحقق الوعي في أسمى صوره، فتكون المواقف من الأفكار والأشياء والأشخاص مؤسسة على إدراك عميق بالحقيقة ((إنما أريد الوضوح والتعرية، وإنما أريد أن نعرف جميعاً حقيقة الفضائل والرذائل، وقرابتها من العقل المبصر، وحقيقة الإيمان بها، ونصيب هذا الإيمان من الصحة والقوة، كما نعرف حقيقة كائن حي نشأ وترعرع واكتمل، وانساق بعوامل الحياة حوله. عسانا إن آمنا بالفضيلة بعد أن نؤمن بشيء نعرف معناه، ونعرف مواضع الضعف والقوة فيه)) (?) .
التجريد بهذا المسلك يهز النفوس، ويوقظ الإرادة، حين يشكك في المعرفة، ويتخذ من الشك منهجاً في الوصول إلى المعرفة، ولهذا لا يتقبله الناس لأن الناس لا يتقبلون التشكيك في معتقداتهم الفكرية فهو ((فرض ينازل حقيقة تحجر بها الاصطلاح، ووهم ينازل اعتقاداً، وشك تعارض به معرفة.
ومازالت النفوس أضعف استعداداً لقبول المفاجآت التي تحاول أن تنتزع من معتقداتها ومشاعرها، شيئاً له قيمته وقداسته، وله صلابته العنيدة)) (?) .
الحدس: