تحليل ذهني عرفه (دوغالد استورات) بأنَّه: ((تقسيمٌ ما نصيبه من معان مركبة بغية تبسيط الموضوع الذي نتناوله بالبحث)) (?) . فهذا التحليل يعمد إلى صفة أو جزئية ويقوم بتحليلها، وردها إلى مصادرها، وتحليل قيمتها، ومعايرها، للوصول إلى المعاني الكليّة. يقول حمزة شحاتة: ((التجريد مبدأ قديم لي، أو هو مرضي الذي لا أشفى منه، عرفني به من عرفوا طريقتي في الحياة، ومن قرأوا نظراتي القديمة في الخير والشر، في الفضائل والرذائل، وفي الحب، وفي الشعر)) (?) .

التجريد تعرية وكشف يركز على الجزئيات ليصل إلى الكليات، ويستصفي المعاني الكامنة، التي عندما يُوقف على حقيقتها، يتكشف الوعي القاصر عن إدراك الحقائق، وتتهدّم المسلمات.

فحين تناول حمزة فكرة القوّة في محاضرته “ الرجولة.. ” لم يقف عند حدود الفكرة الجزئية، وإنما جعلها البداية في النظر والتحليل ثم انطلق بعد ذلك إلى كشف علاقاتها للوصول إلى المعنى الكلي ((وأنا أريد التجريد والتعرية كباحث لا كمحاضر، فإني لو قصرت كلامي على الرجولة، أو على الخلق الفاضل، خشيت أن يتحوّل حديثي إلى موعظة لا تعدو أن تكون تمدّحاً حماسياً بالفضائل، دون تحليلها، وردها إلى مصادرها وتحديد قيمها، ومعاييرها، وأثرها في صميم الحياة، وعلاقتها بالنفوس)) (?) .

التجريد وإن بدا بحثاً في الجزئيات، فإنه انطلاق إلى عوالم رحبة، فالتفتيت الذرّي يكشف أدق المكونات، ويترامى في الكشف إلى آفاق قصيّة تصبح معها الذرة الصغيرة جرماً هائلاً مليئاً بالشهب والنيازك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015