إذن الفرق بين “ حمزة شحاتة ” و “ عبد الله عريف ” في “ الموقف الجمالي ” أن الأول ينظر إلى الجمال نظرة الفيلسوف حين لا يكتفي بالوقوف على الظاهر، وإنما يعمد إلى تحليل عناصر الشيء الجميل وتفكيكها وإعادتها إلى أصولها، والآخر يمسّ الجمال مساً رقيقاً، يبعث في نفسه روحانية، وإلهاماً وخيالاً يحلق به في مدارج الكون. وهذا ما أدركه الأستاذ محمد عمر توفيق عندما ذهب إلى التوفيق بين هاتين الرؤيتين في مقالته التي نشرها بعنوان “ التجريد وما وراءه ” فقال: ((من هنا نزعم أنه ليس من تضاد بين النظرتين إلا بقدر ما هنالك من تخالف بين النفسين، وتغاير في الأهواء، وكل ما يفرق بينهما أن هذه نظرة شاعر وتلك نظرة شاعر فيلسوف، إذ الفلسفة قوامها التجريد والتعرية)) (?) .
ويمكن أن أضيف إلى هذا الفرق الذي كشف عنه الأستاذ محمد عمر توفيق فرقاً آخر بين نمطين من التفكير، تفكير مبدع خلاّق لا يجد الجمال والمتعة إلا في البحث الدائب، والنظر المتجدد، وتفكير يميل إلى السكون ولا يحبذ المغامرة. والتفكير الابتكاري الأول نجده عند العباقرة وصناع الحياة في حين نجد الآخر عند كثير من الناس الذين يقفون على الظاهر، ولا يتجاوزون ذلك إلى أفق تنتقص معه قيمة الشيء، ويتضاءل تأثيره، لأنها لم تستنفذ طاقته الجمالية، فبقي فيه إشعاع يومض، وجاذبية تشد النفوس، وأولئك بلاشك هم الأقدر على الكشف عن أسرار الجمال، والتلذذ بالمعاناة في ذلك الكشف ((وقد نرى إنساناً يسحره البدر؛ لأنه المضيء الساطع. فإذا شبّهه بمن يحب، كانت الصلة عنده بينهما اللالاء والاستدارة. وإنساناً يرى في البدر حياله فتنة الحي الرائعة، ومشابهه وسهومه وخيالاته، وجدته وسأمه وخفوته، وله عواطفه ونوادره الظريفة إقبالاً وإدباراً ونشاطاً وفتوراً.