أفلا يكون من له هذه المقدرة على توليد الصور والمعاني أفطن لحقيقة الجمال الواسعة، وأقدر على التهامها وتذوقها وعلى تركيزها وإذابتها؟)) (?) .
ولكل “ جمال ” رسالة يقوم بتبليغها، ولا يوجد رسالة بلغت من أرسلت إليه، ولم يعِ شيئاً منها، لكن العقول تتفاوت في قوة الإدراك، فهناك من يقف عند حدود الأشكال والهيئات، وهناك من يبحث في الأعماق، ويغوص إلى الجوهر، وهذا منطق حمزة وموقفه الجمالي الذي أفضى به إلى البحث الدائم عن دلالات فريدة، وأشكال جديدة؛ لأن الدلالات الجمالية متناهية في الشكل الواحد، ورسالة الجمال كرسالة الربيع الطلق، لا تلبث أن تزول. وهذا هو منطق الحياة فلا يوجد حقيقة من حقائق النفس الإنسانية، أو من حقائق الحياة الماثلة، أو المتخليّة، أو من صور الجمال لا تمتد إليها يد السآمة أو لا يتحوّل بها إدمان التذوق والاستصفاء في فكر العاشق أو الشاعر أو الأديب أو الفيلسوف أو الإنسان الحي)) (?) .
حمزة شحاتة كان تفكيره الجمالي أشبه ما يكون ببندول الساعة لا وجود له إلا مع الحركة، كانت القيم الجمالية عنده في تجدّد دائم، كلما فك مغاليق الجمال، دلف إلى مغاليق أخرى ((أنا ذو مزاج سؤوم، لا أدع الزمن يفجعني في طمأنينة شعوري بطرافة الأشياء، وأيَّة حقيقة من حقائق الفكر، أو متعة من متعات الحس، أو طوبى من طوبيات الخيال الخلاب، يبقى جمالها على الزمن الماضي، أو يفض الختام كل يوم عن جمالها ومعانيها جديدة أخاذة؟)) (?) .
وبهذا المزاج السؤوم، والنفس التواقة، كان حمزة شحاتة يشعر بوجوده، ويتحسس ذاته، ويصيب لذته الجمالية ((إنما يصيب الأديب لذته الفنية، والفيلسوف متعته الفكرية من علاج الجديد وابتكاره، وحتى إذا عرض له القديم المألوف سلك إليه غير سبيله المطروحة)) (?) .