حيث قال: "الحجيج جمع حاج، وفي الجموع على وزن فعيل كثير كالعبيد، والبقير، والمعيز، والأبيل، وأحسبه اسما للجمع، لأنه لو كان جمعا له واحد من لفظه، لجرى على قياس واحد كسائر الجموع، وهذا يختلف واحده، فحجيج واحده حاج، وعبيد واحده عبد، وبقير واحده بقرة، ومعيز واحده ماعز، إلى غير ذلك، فجائز أن يقال إنه اسم للجمع، غير أنه موضوع للكثرة، ولذلك لا يصغر على لفظه، كما تصغر أسماء الجموع، فلا يقال في العبيد: عُبيد، ولا في النخيل: نخيل، بل يرد إلى واحده، كما ترد الجموع في التصغير، فيقال: نُخيلات وعُبيدون، وإذا قلت: نخيل أو عبيد، فهو اسم يتناول الصغير والكبير من ذلك الجنس، قال الله سبحانه: (وزرع ونخيل ((الرعد: 4) ، وقال: (وما ربك بظلام للعبيد ((فصلت: 46) ، وحين ذكر المخاطبين منهم قال: العباد، وكذلك حين ذكر المثمر من النخيل: (والنخل باسقات ((ق: 10) ، وقال: (أعجاز نخل منقعر ((القمر: 20) ، فتأمل الفرق بين الجمعين في حكم البلاغة واختيار الكلام، وأما في مذهب أهل اللغة، فلم يفرقوا هذا التفريق، ولا نبهوا على هذا الغرض الدقيق" (?) .
سابعا: اللفتات الجمالية:
يشير السهيلي خلال شرحه للسيرة إلى كثيرة من اللفتات الجمالية في البيان العربي، ويستطرد إلى ذكر النظائر الأسلوبية للتعابير الجمالية، ويدعو إلى تأملها، والاستمتاع بها، مما يسهم في تربية الحاسة الفنية عند الباحث والدارس على حد سواء، من ذلك ما ذكره عند قول عباس بن مرداس: (?)
ما بال عينك فيها عائر سهر ... مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر
قال السهيلي في التعقيب عليه: "الحماطة من ورق الشجر: ما فيه خشونة وحروشة… والعائر: كالشيء يتنخس في العين كأنه يعورها، وجعله سهرا وإنما السهر الرجل، لأنه لم يفتر عنه، فكأنه قد سهر، ولم ينم، كما قال الآخر في وصف برق: