حتى شئاها كليل موهنا عمل ... باتت طرابا وبات الليل لم ينم
شئاها: شاقها، يقال: شاء وشاءة بمعنى واحد، أي: شاقه، وأنشد:
* ولقد عهدت تشاء بالأظعان *
فتأمله فإنه من بديع المعاني" (?) .
ولا ريب أن في البيت الأول استعارة، حيث استعار لفظ العائر للألم الذي يؤذي العين على سبيل المبالغة، وأسند إليه السهر على طريقة المجاز العقلي، وإنما السهر صاحب العين، ثم أتبع الشاعر الشطر الأول من البيت بذكر تشبيه في الشطر الثاني يؤكد المعنى الذي ساقه في الشطر الأول، والبيت كله بما فيه من الصور الحسية تجسيد لمعاناة الشاعر قالها على سبيل التجريد، ونحو هذه المعاناة ما ورد في معاناة شاعر آخر نسب السهر والشوق إلى البرق، وإذا كان البرق مشتاقا فكيف بالإنسان الذي يرقبه؟، إنها جماليات البيان العربي، وعبقرية اللغة العربية التي يجيد فيها الشعراء التعبير عما في نفوسهم بمختلف الأساليب البليغة، والإشارة إلى ما في أساليبهم من مكنون الجمال هو لمح من العبقرية أيضا عند الناقد العربي، لذلك اكتفى السهيلي بدعوة قارئه إلى التأمل بالجمال الخالد في البديع من المعاني، بعد أن ملكه مفتاح الجمال، بدون تفصيل وتطويل، معتمدا على فطنة القارئ ولمح العبقرية في قراءة الجمال عند من يملك حسا أدبيا مرهفا من أبناء العرب.
ثامنا: التضمين
وهو من عيوب القوافي عند علماء العروض والنقاد (?) ، حيث تتعلق قافية البيت بالذي يليه، فلا يمكن الفصل بينهما، وقد ذكر السهيلي مصطلح التضمين، عقب قول حسان يبكي جعغر بن أبي طالب رضي الله عنه: (?)
بعد ابن فاطمة المبارك جعفر ... ... خير البرية كلها وأجلها
رزءا وأكرمها جميعا محتدا ... ... وأعزها متظلما وأذلها
للحق حين ينوب غير تنحل ... ... كذبا وأنداها يدا وأقلها