وقد سبك هذا المعنى في النسيب عبد الله بن عباس الرومي، فقال:
وأحسن من عقد المليحة جيدها ... وأحسن من سربالها المتجرد
ومما هو دون الغلو وفوق التقصير، قول الرضي:
حليه جيده لا ما يقلده ... ... وكحله ما بعينيه من الكحل
ونحو منه ما أنشده الثعالبي:
وما الحلى إلا حيلة من نقيصة ... يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
فأما إذا كان الجمال موفرا ... فحسبك لم يحتج إلى أن يزورا
وسمعت القاضي أبا بكر محمد بن العربي يقول: حج أبو الفضل الجوهري الزاهد ذات مرة، فلما أشرف على الكعبة ورأى ما عليها من الديباج تمثل:
ما علق الحلى على صدرها ... إلا لما يخشى من العين
تقول والدر على نحرها ... من علق الشين على الزين" (?)
وهذه الأمثلة التي ساقها السهيلي والموازنات التي أقامها بين الشعراء في قضية الجيد والعنق تدل على طول باعه في النقد، وعلى امتلاكه لذوق مرهف، بالإضافة إلى معرفة واسعة بتراث العرب الشعري، بيد أن ذهابه إلى أن المولدين هم الذين غلوا في المعنى الذي ساقه للأعشى من تزيين الأطواق للجيد، فعكسوا الأمر، وجعلوا الجيد يزين العقود، فهذا حكم فيه نظر، وذلك أن أصل هذا المعنى كله كما ذكر المرزباني هو قول امرئ القيس: (?)
ألم ترياني كلما جئت زائرا ... ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
والمولدون تبع لامرئ القيس في هذه المبالغة، بيد أنهم طوروا المعنى، ونقلوه من الطيب إلى الحلى، والخلافة، والنسيب، والكعبة، وغير ذلك.
ثانيا: الموقف من شعر المولدين:
ويعرض السهيلي لقول مطرود بن كعب الخزاعي: (?)
يا عين فابكي أبا الشعث الشجيات ... يبكينه حسرا مثل البليات