فهنا نجد السهيلي يقدم حسانا على أبي نواس، ويلتمس له العذر بإضافة أحمد المتخير إلى آل هاشم، وذكر أنها إضافة تشريف، بخلاف أبي نواس الذي عيب بما عيب به الأعشى من قبله، ولكنه مع هذا ينقل في الآخر وجهة نظر أبي نواس فيما عيب عليه من قبل راويته ذاته، ورده على الراوية من خلال استشهاده بشعر حسان، وهذا يدل على منتهى الأمانة العلمية عند السهيلي، وتقديره لآراء الشعراء ضمن عملية النقد الأدبي.
وفي عرضه لسورة المسد، فرق السهيلي بين لفظ الجيد والعنق، لأن الأول للحلى، والثاني للأغلال، قال: "وقوله (في جيدها) (المسد: 5) ولم يقل في عنقها، والمعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الغل، أو الصفع، كما قال تعالى: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) (يس: 8) ، ويذكر الجيد إذا ذكر إذا ذكر الحلى أو الحسن، فإنما حسن هاهنا ذكر الجيد في حكم البلاغة، لأنها امرأة، والنساء تحلى أجيادهن، وأم جميل لا حلى لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها، فلما أقيم لها ذلك مقام الحلى ذكر الجيد معه، فتأمله فإنه معنى لطيف، ألا ترى إلى قول الأعشى:
* يوم تبدى لنا قتيلة عن جيد *
ولم يقل عن عنق، وقول الآخر:
* وأحسن من عقد المليحة جيدها *
ولم يقل عنقها، ولو قاله لكان غثا من الكلام، فإنما يحسن ذكر الجيد حيث قلنا، وينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم) (آل عمران: 21) أي لا بشرى لهم إلا ذلك، وقول الشاعر:
* تحية بينهم ضرب وجيع *
أي: لا تحية لهم، كذلك قوله: قوله (في جيدها حبل من مسد) (المسد: 5) أي ليس ثم جيد يحلى، وإنما هو حبل المسد" (?) .
وهذا الكلام كان بمثابة تمهيد لعقد موازنات بين الشعراء في هذه القضية، تبدأ من الأعشى وتنتهي بالمولدين وما أضافوه في هذا المعنى، يقول السهيلي: "وأنشد شاهدا على الجيد قول الأعشى:
يوم تبدى لنا قتيلة عن جيد أسيل تزيينه الأطواق