قلت: هكذا الأمثال الَّتي يضربها الله للنّاس في القرآن تشتمل على تشبيه أمر أو أمور معقول أو معقولة بأمور محسوسة، فيجعل المعقول في قالب المحسوس فيصير المعنى المعقول كأنه مدرك بإحدى الحواس الخمس.
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: فالكافر أعمى عن وجه الحقّ في الدنيا وفي الآخرة لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به، وأمّا المؤمن ففطن ذكي لبيب، بصير بالحق يميّز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشر، سميع للحجّة يفرّق بينها وبين الشبهة، فلا يرجع إليه باطل، فهل يستوي هذا وهذا؟ (?) .
قال الآلوسي في روح المعاني عند تفسير هذه الآية ما نصّه: وفي البحر لم يجئ التركيب: كالأعمى والبصير والأصم والسميع ليكون كلّ من المتقابلين على إثر مقابلة لأَنَّه تعالى لما ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد السمع، ولما ذكر انفتاح البصر أتبعه بانفتاح السمع، وذلك هو الأسلوب في المقابلة، والأتمُّ في الإعجاز، فانظره (?) .
وقيل إن التمثيل بأمر واحد، وعليه يكون تقدير الكلام: كالأعمى الأصمّ والبصير السميع، ودخلت واو العطف كما تقول: جاءني زيد العاقل والكريم؛ وأنت تريده بعينه، فهو على هذا تمثيل بواحد (?) . وذكر هذا المعنى أَيضًا أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير الآية فقال: ... وقيل: كالأعمى والأصم، والمعنى: كالأعمى الأصم، وكذلك قيل: والسميع والبصير، والمعنى: البصير السميع، كقول القائل: قام الظريف والعاقل؛ وهو ينعت بذلك شخصًا واحدًا (?) .