قلت: هذا حال النّاس اليوم مع الدعاة، فبعض النّاس معرض عن سماعه لا يدع فرصة للدعاة حتَّى يبلّغوه، ولا يترك لهم مجالاً، فهو معرض عنهم بقلبه وقالبه، وبعضهم لله الحمد يستجيب ويصغي وينتفع، وهكذا سنّة الله في خلقه، ما من داع يدعو إلى خير إِلاَّ وجد من يقف أمام دعوته منفّرًا منها مبعدًا النّاس عنها، ووجد أَيضًا من يستجيب لدعوته، إِلاَّ أن أكثر من يستجيب للدعوة قديمًا وحديثًا ضعاف النّاس، وأكثر من يقف أمامها أهل الجاه والمكانة، وهذه السنّة جارية في خلق الله إلى يومنا هذا، فأهل الجاه من أهل التّصوّف وغيرهم ممن درجوا على التقليد الأعمى يقفون أمام الدعوة وينفّرون النّاس من حضور مجالس الدعاة والاستماع إلى ما يدعون إليه دون أن يعلموا ما يقولون، (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ... ((?) . ويؤيد ما ذكر أنّ دعوة رسولنا محمَّد (غالب من استجاب لها على الفور ضعاف المسلمين كعمّار وسميّة وبلال وابن مسعود ونحوهم، وأوّل من وقف أمامها عظماء قريش كأبي جهل، وأَبي لهب، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وأخيه شيبة، وغيرهم. وفي الحديث الصحيح الَّذي أَخرَجه البخاريّ في صحيحه في اثنتيْ عشر موضعًا منه ما يدل على ما ذكرنا وهو حديث أَبي سفيان الطويل في شأن كتاب رسول الله (إلى هرقل عظيم الروم، وكان أبو سفيان في ركب من قريش هناك، فأرسل إليهم هرقل وكانوا تجّارًا بالشام فدعاهم فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرَّجل الَّذي يزعم أَنَّه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبًا، فقال: أَدْنُوه مني وقَرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثُمَّ قال لهم: إني سائل هذا الرَّجل فإن كذبني فكذّبوه ... إلى أن قال: فأشراف النّاس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهذا محلّ الشاهد من الحديث، وهو طويل جدًّا ...