إن هذا المنهج نتاج موقف من العالم وإدراك له، وهو موقف وإدراك لا يصلح لأمة أعزها الله بالإسلام، الدين الذي أقام تصوراً سوياً وشاملاً للكون والإنسان والحياة، تجلى فيه الإنسان كائناً مكرماً على جميع المخلوقات قال تعالى: س ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ش ( [173] ) ، كرمه الله تعالى بالعقل، وأوجد لديه الغريزة، وحدد له الغاية، وأنار له السبيل، وهو قادر بعد هذا كله على أن يصعد إلى منزلة الملائكة حين يغلب عقله على نزواته، وهو قادر أيضاً على اللصوق بالأرض حين ترجح نوازعه على عقله.

إن الإسلام يؤمن بمطالب الإنسان الدنيوية، فهي مطالب لا تقوم الحياة إلا بها، ولكنها مطالب محكومة بالعقل، وبالغايات، التي تجعلها تتحقق وفق توازن نادر الوجود قال تعالى: س وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدينش ( [174] ) يقول محمد قطب: ((والإنسان يكره فقدان التوازن ولو كان إلى أعلى؛ لأنه يحرص على أهدافه العليا التي لا تتحقق بغير الاستجابة لنوازع الأرض، وكل ما يعمله ويهدف إليه هو تنظيف الوسائل التي يستجيب بها الفرد لنوازعه، حتى ترتفع الحياة كلها، وتصبح كريمة جميلة، خليقة بمعنى التكريم الذي أسبغه الله على الإنسان)) ( [175] ) .

لقد نشأ الإنسان على الفطرة السوية، لا على الشبق الجنسي، فأدرك قيمة الكون والحياة، وفسره تفسيراً إيمانياً يعيده إلى بارئه سبحانه وتعالى، فلم يكن محض الصدفة ولم يكن ذرة ضائعة، أو آلة ضخمة محكومة بنظام آلي خاص إنه صنع الله الذي أتقن كل شيء ( [176] ) .

وأدرك أن له في هذه الحياة غاية، هي عبادة الله فهو مستخلف في هذه الأرض، ووفق هذا التصور يكون نشاطه الحركي، وتكون استجاباته وانفعالاته ( [177] ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015