وليس هناك نفس إنسانية كاملة، وخالصة من النقائص إلا نفسه صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا أسس الإسلام منهجاً متكاملاً لفهم النفس الإنسانية وتربيتها، فهي مجموعة من الخطوط المتقابلة، الخير والشر، والحب والكراهية، والسلب والإيجاب، قد يغلب جانب على جانب فيحدث انحراف في سلوكياتها، فكان منهج التربية الإسلامية خير منهج كشف عن طبيعة النفس، وحدد لها ما يجعلها نفساً سوية يتغلب فيها جانب الخير على نوازع الشر وأدرانه ( [178] ) .

وعلى هذا فإن الفهم الصحيح لطبيعة النفس الإنسانية، وتقدير مناشطها في الحياة، إنما ينبغي أن يكون وفق هذا التصوير الرباني العظيم، فموجد النفس هو أعلم بطبيعتها، وهو الأقدر سبحانه على وضع المنهج الملائم لها قال تعالى: س ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ش ( [179] ) .

وإن النقد النفسي حين يكون محتاجاً إلى فهم طبيعة النفس الإنسانية والقوى الدافعة لسلوكها، في تفسيره للعمل الأدبي إنما يجب أن يتمثل هذه النظرة، لأنها الأقدر، والأجود، ففيها يظل للإنسان مكانته، وللعقل قيمته، وللغايات أثرها البالغ في توجيه المناشط في هذه الحياة.

ولقد اكتشف الغربيون أنفسهم - تبعاً للكشوفات العلمية الحديثة - ضلال تصورات مدرسة التحليل النفسي والمدرسة السلوكية في دراسة السلوك البشري، حيث يتم إخضاع العقل للغريزة في الأولى، وإلغاؤه في الأخرى، حيث ذهب كثير من علماء النفس في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى أن هذا الموقف ((لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرس لخدمة الجنس البشري)) ( [180] ) مما إدى إلى نشوء حركة جديدة تنادي بأنسنة علم النفس.

ففي اجتماع وطني للرابطة الأمريكية لعلم النفس عقدت في عام 1971 م قرر أتباع هذه الحركة أن يطلقوا علها اسم “ علم النفس الإنساني ” ( [181] ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015