وعلى هذا تكون هذه الأنماط الشخصية، وأنماط التحول ميراثاً إنسانياً انبثق من تصور الإنسان البدائي للكون، وهو ما يسمى بالأساطير، وليست الأساطير ((إلا تاريخ البشرية الأولى، تنوسيت ملامحه الدقيقة، وأضفى الخيال الإنساني عليه جواً فضفاضاً، وتاريخ الآلهة، ما هو إلا تاريخ لعصر الأبطال حين كان الإنسان يعجب بالقوة والجبروت، والبطولة في شتى ألوانها المادية والمعنوية، ويتطور هذا الإعجاب عند الأجيال إلى نزعة من التقديس تتلاشى معها حيناً بعد حين الحدود الفاصلة بين المحدود المطلق، وبين حقائق الواقع الإنساني، وخفايا الوجود الغيبي، فتصل إلى حد عبادة الآباء، ثم تصل إلى تناسي هذه الأبوة، ودخولها في مرحلة تالية)) ( [132] ) .

وعبقرية الإبداع الفني كامنة في هذه الصور الأسطورية التي تشكل قاسماً مشتركاً بين الناس، فهي التي تطلق قوى المخيلة للمبدع ((ومن هنا كانت الروائع في الأعمال الفنية خالدة ولا وطن لها. ذلك لأنها إنما تنبع من اللاشعور الجمعي، حيث ينبسط التاريخ وتلتقي الأجيال، فإذا غاص الفنان إلى هذه الأعماق فقد بلغ قلب الإنسانية، وإذا عرض على الناس قبساً من هذا المنبع العظيم عرفوا أنه منهم ولهم)) ( [133] ) .

والإبداع كما يعتمد على التسامي عند فرويد فإنه عند تلميذه يونج يعتمد على الإسقاط وهو ((العملية النفسية التي يحول بها الفنان تلك المشاهد الغريبة التي تطلع عليه من أعماقه اللاشعورية يحولها إلى موضوعات خارجية يمكن أن يتأملها الأغيار)) ( [134] ) .

وهذا الإسقاط يتم من خلال الرمز الناتج عن إطلاع المبدع حدسياً على اللاشعور الجمعي ولهذا كان إبداع الرمز أعظم وظائف اللاشعور ( [135] ) ؛ لأنه ((أفضل صيغة ممكنة للتعبير عن حقيقة مجهولة نسبياً)) ( [136] ) . والأسطورة هي جوهر هذا الرمز الذي عمد إليه الشاعر المعاصر ليستثمر قيم الفن والجمال فيه يقول د: أنس داود:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015