وهذا الانشقاق الثقافي الذي ولّدته المثاقفة مع الغرب لا يدّل على خطورة المثاقفة من حيث هي بحث عن المعرفة بقدر ما يدل على ضعف المؤسسات الثقافية في العالم العربي فالارتماء في أحضان الآخر، والانكفاء على الذات وجهان لقصور في الوسائل والغايات لدى أجهزة بناء المعرفة. الذين نادوا بالتغريب لم يجدوا في مناهج التعليم لديهم ما يحقق الرضا الثقافي ويبني الحصانة الذاتية ضد التلاشي والاستلاب، والذين آثروا التقوقع وغمرهم طوفان الانطفاء والتبلّد لم يجدوا في ما تلقوا من معارف منهجاً رشيداً يتجافى الرتابة والتكرار ويزرع الشغف بالمعرفة والبحث عن الحكمة الضالة، فكان القصور الذاتي سمة لكلا الفريقين. ((عجز عن اكتشاف الذات)) و ((خوف من الآخر)) .
الثقافة العربيّة المعاصرة “ ثقافة استنساخ ” للآخر أو للذات، والخروج من حال النسخ إلى حال الابتكار يحتاج إلى محاضن خاصة، ووسط اجتماعي حيّ، وهذا ما عجز عن تحقيقه العرب، ونجح في إيجاده اليابانيون لقد كانت ((الانطلاقة الحديثة للمجتمع الإسلامي معاصرة لانطلاقة أخرى في اليابان. فالمجتمعان قد تتلمذا سوية حوالي عام (1860) في مدرسة الحضارة الغربيّة.
واليوم هاهي اليابان القوة الاقتصادية الثالثة في العالم (فالأفكار المميتة) في الغرب لم تصرفها عن طريقها. فقد بقيت وفيّة لثقافتها، لتقاليدها، لماضيها ...
بينما المجتمع الإسلامي وبالرغم من الجهود الحميدة التي خصه بها التاريخ تحت اسم النهضة فإنه بعد قرن من الزمان ليس غير مجتمع ذي نموذج متخلف.
والواضح في النتيجة أن المشكلة التي تطرح نفسها لا تتعلق بطبيعة الثقافة الغربية، بل بالطبيعة الخاصة بعلاقتنا بها)) ( [25] ) .