كما أن على القائد أن يدرك أيضاً أن هناك خطورة حقيقية في حال عدم تحسسه لأهمية الدور الذي هو فيه فعليه أن يأخذ جانب الحيطة والحذر في كل تصرفاته وأن لا يأتي إلا ما يراه خيراً يرضي ربه ويحض به جنده لأنه في نظر أفراده ومرؤسيه إن صح لنا أن نشبهه كالشاشة البيضاء الناصعة البياض التي يمكن أن ترى عليها أدنى الملوثات.
وإن المرؤسين حول قائدهم الذي هو قدوتهم ينظرون إليه دائماً نظرة الناقد وفي الوقت نفسه المُقلد الذي يَتَلقون عنه، وهم يحسبون عليه كل حركاته وسكناته سواء شعر بذلك أم لم يشعر لأنه كما كررنا في نظر مرؤسيه مصدر إقتداء، ومادام على هذا الحال فإنهم يرون فيه الكمال مما يجعله في أعينهم فاضلاً وبالتالي يجب تقليده والأخذ عنه، فإذا وفق في أن يكون سلوكه طيباً وعمله يوافق قوله كان فعلاً قدوة صالحة يجب التأسي به والأخذ عنه. أما إذا كان غير ذلك كان والعياذ بالله قدوة سيئة يصبح في الأخذ عنه وتقليده خطورة على مرؤسيه ومن ثم على قواته المسلحة التي ينتمي إليها، لأنه بموجب رتبته ووظيفته مع مرؤسيه بمثابة الغالب. والمغلوب دائماً مولع بتقليد الغالب وهذه سنة من سنن الحياة فطر الناس عليها، وقد تقدم قول ابن خلدون في مقدمته (المغلوب دائماً أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده والسبب في ذلك أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه) (23) .