والكمال الذي أشار إليه ابن خلدون ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول هو مقدار ما يملكه الإنسان من مبادئ وهو ما يعنينا هنا والقسم الثاني هو الكمال في الساعد والسلاح والقائد في الحقيقة أنه يملك من الصلاحيات ما يؤهله لبلوغ ذلك الكمال بما يجعله في موضع الاتباع والاقتداء من قبل المرؤسين مهما تضاءل هذا المقدار مادام المُقلد فاقداً له، ومن أجل هذا استحق القائد مرتبة الاقتداء الذي قد يحسنها فيكون قدوة صالحة وقد يسيء استخدامها فيكون قدوة سيئة.

والقدوة الصالحة من أهم وسائل التأثير في الآخرين سيما إذا كان هؤلاء الآخرين هم في مرتبة أقل كما قلنا من مرتبة القدوة، ولذلك فإن كثيراً من الناس لا يعمل ويطبق ما يقال له إلا إذا رأى ذلك الذي قيل له واقعاً يشاهده بعينه في عمل القدوة وفعله، عندها تزداد قناعة المقلد ويعلم أن الأمر الذي يطلب منه أن يحاكيه ويقلده ليس من باب المستحيلات أو المعجزات التي لا يمكن تطبيقها وإنما هو من باب الممكنات التي يتيسر فعلها، قال الإمام الشاطبي رحمه الله (إذا وقع القول بياناً فالفعل شاهد له ومصدق، وبيانه وتفصيله أن العالم إذا أخبر عن إيجاب عبادة من العبادات أو لزوم فعل من الأفعال ثم فعله هو لم يخل به مقتضى ما قاله فيه، عند ذلك يقوي اعتقاد إيجابه وينتهض العمل به عند كل من سمعه وأخبر عنه ورآه يفعله) (24) .

ومن هنا تظهر النتائج العكسية عندما يخالف العمل القول من قبل القدوة يظهر شعور لدى المقلدين والأتباع بأن ذلك الأمر غير ممكن العمل به فيعملون بضده معتمدين على ما شاهدوه من قدوتهم وهنا تكمن خطورة الاقتداء عندما ينحرف صاحبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015