فاستخدم أسلوب تكرار البداية عبر نمط أسلوبي متلاحق (ماذا أود من المدينة وهي لا) لينفي عن المدينة صفات الخير والمحبة بشكل متواصل عميق لا يجعل للقاريء أدنى شك للتصديق فيما يسعى إليه، لأن كل صيغة من هذه الصيغ تحمل في ثناياها الرفض والتمرد على هذا الواقع، فجردها من كل الصفات الطيبة ليجعل المتلقي يعيش معه ثورته وتمرده فيشاركه هذه الروح التي تمثلت في ذات الشاعر صاحب الرسالة الذي يسعى بمفهوم شامل للإصلاح والتغيير برغبة جامحة قوية (أودَّ) وقد ألح عليها في كل بداية ليعمق من دلالتها.
ويكشف تكرار البداية عن نزعة التحسر والأسى والاشفاق الكامنة في نفس الشاعر من خلال أداة الاستفهام (أين) على أبناء عصره الذين يعانون الجهل والفساد وهم أصحاب رسالة لهم ماض مجيد وقد تحقق له ذلك بتكرار هذه الأداة في صدر الأبيات وعجزها بما يمكن أن يسمى رد العجز على الصدر ثم ربطها بصفات مفقودة عند أبناء شعبه (الطموح، الأحلام، الحساس، الخافق…) .
أين يا شعب قلبك الخافق الحساس؟
أين يا شعب روحك الشاعر الفنان؟
أين يا شعب فنك الساحر الخلاق؟
أين عزم الحياة لا شيء إلا
أين الطموح والأحلام؟
أين الخيال والإلهام؟
أين الرسوم والأنغام؟
الموت والصمت والأسى والظلام (1)
فتكشف هذه التساؤلات عن التوتر الانفعالي بشكل مكثف متعاقب، كما تكشف عن طبيعة البنية المكوّنة لهذا التساؤل، وكأن الشاعر يصور ما في ذهنه من أمور تتعلق بمصير هذا الشعب وخوفه على مستقبله لهذا جاءت البنية متعمقة في نمط رأسي وأفقي ممتد داخل القصيدة إلا في البيت الأخير جاءت رأسية لأنه أراد أن يعكس واقع الشعب الذي وصفه بالموت والصمت والأسى والظلام وكأنه يأسى من توالي النداءات والتساؤلات التي لم تلق صدى في تونس الثورة.