ما لي يضيق بي الوجود
ما لي وجمت وكل
ما لي شقيت وكل
وينبوعي مشوب؟
وصبحي لا يؤوب
وكل ما حولي رحيب
ما في الغاب مغترد طروب
ما في الكون آخاذ عجيب (1)
فشكل من هذا التكرار رابطاً بحرف الاستفهام (ما) لتكون نسقاً بنائياً قوياً مؤثراً، وبذلك يمنح التكرار قوة فاعلة في إيجاد وحدة شعورية متلاحقة كما أنه يعكس رؤية الشاعر وهدفه الذي يسعى إلى تحقيقه، وهو الخروج من هذه الحياة الصاخبة إلى حياة دافئة وما هذه التساؤلات إلا انعكاس لما يدور في ذهن الشاعر من أمور تتعلق بذاتيته وتكوينه النفسي الذي تبدو عليه ملامح التشاؤم والسوداوية من خلال أسلوب التضاد الذي يجمع بين الحاضر والغائب، فالحاضر هو الواقع السيء لحال الشاعر والمتفرد في حزنه والغائب هو الغد المنتظر والفضاء الرحب الذي يسعى إليه (وهكذا يستخدم الشابي التضاد أداة جمالية، يصور بها مواقف متعددة وصفات متعارضة … ويكشف بها عن الأمل ويستشرف من خلالها آفاقاً جديدة وأداة للمفاضلة بينه وبين الآخرين) (2) .
كما لجأ إلى أدوات استفهامية أخرى (ماذا، أين) لتكشف هي الأخرى عن حيرة الشاعر وقلقه على هذا الوجود أو المصير أو رغبته في البحث عن عالم آخر غير المدينة أو شعب آخر غير هذا الشعب على عادة الرومانسيين، فالمدينة رمز الشرور وبؤرة للمفاسد، والطبيعة رمز الصفاء والطهارة والعفة، يجد فيها ذاته وتسمو فيها روحه على كل القيم يقول:
ماذا أود من المدينة وهي غارقة
ماذا أود من المدينة وهي لا
ماذا أود من المدينة وهي لا
ماذا أود من المدينة وهي مرتاد
بموّار الدم المهدور
ترثى لصوت تفجع الموتور
تعنو لغير الظالم الشرير
لكل دعارة وفجور (3)