أما تكرار البداية الذي وقع في بناء الجملة على اختلاف أنواعها، فكانت أكثر حضوراً في ذهن الشاعر، وأكثر قدرة على استيعاب ما في ذهنه وأكثره قدرة على عرض حاله ونفسيته، فجاءت بدايات الأفعال متحركة ثائرة تصور ما آلت إليه حالة من غربة روحية واغتراب فكري ونفسي بينما الجملة الاسمية تميزت بالسكون والهدوء والثبات ولهذا نراه قد أكثر من هذا النمط الأسلوبي من خلال الضمير أنت فكرره كثيراً في بداياته. ففي تكرار بداية الفعل يركز على الفعل الماضي الذي يعكس ما أصابه في حياته يقول:
شردت عن وطني السماوي الذي
شردت عن وطني الجميل أنا الشقي
في غربة روحية ملعونة
شردت للدنيا وكل تائه
ما كان يوماً واجماً مغموماً
فعشت مشطور الفؤاد متيما
أشواقها تفضي عطاشا هيما
فيها يروع راحلاً ومقيما (1)
فيجسد عبر الأفعال (شردت) معاناته التي وقعت له قهراً عنه بفعل قوى خارجية فرضت عليه فتقبلها وحاول الخروج عليها، وهذا الفعل يحمل في ثناياه الحزن والتعذيب والأسى الذي كرره بشكل متعاقب متوالٍ وكان تشريده عن وطنه وعن الدنيا بكل ما فيها، ولذلك وصفها بأنها (غربة روحية ملعونة) فخلق مع كل فعل صورة من صور العذاب والتشريد.
أما الجملة الاسمية التي شكل منها تكرارات بداية متنوعة تميزت بالسكون والانعتاق من الماضي، عبر الضمير (أنت) الذي كرره في معظم بداياته والضمير (نحن) وشكل منهما أبنية متناسقة قوية، تعكس رغبة الشاعر وحبه لهذه الأشياء وتعلقه بها مثل (شعر، القلب، الحب) تلك التي تمنحه الهدوء وتشعره بوجوده وإنسانيته لكنه عندما كان يتحدث عن (الشعر والحب) يصفهما بأنهما قطعة من فؤاده، وقصة حياته، ومعبده ومحرابه وأحلامه بينما كان يصور لحظة العذاب والألم من خلال حديثه عن القلب، فالقلب (حقل مجدب وليل معتم) ولذلك كان يكرر الضمير أنت بشكل متتابع يجعل المرء يحس بغنائية متسارعة متعمقة في الذات يقول من قصيدته (قلت للشعر) :