فكرر (يا قلب كم فيك) في بداية كل سطر شعري وألح على هذا النمط الأسلوبي بشكل رأسي متعاقب ليؤكد على أهمية القلب الذي يشكل مصدراً لوجعه وآلامه، فهو مصدر حياة الإنسان وسر شقائه وسعادته ومستودع الأسرار أو كما يقول عنه الشاعر كون مدهش عجيب، ويجعل كل بداية مرتبطة بصورة من الطبيعة لتسري عنه الهموم فهي مصدر حلمه وأنيسه الذي يشعر معه، ويجعلها على نقيض وصراع مع الحياة التي يفرَّ منها فحرمته ملذاتها وزينتها وجعلته غريباً يشقى بغربته ففر منها إلى عالمه الخاص وهاجمها عبر شريحة أسلوب النداء كما هاجم أناسها الذين لم يفهموه ولم يشاركوه حزنه يقول:
يا صميم الحياة كم أنا في الدنيا
بين قوم لا يفهمون أناشيد فؤادي
في وجود مكبل بقيود
غريب أشقى بغربة نفسي
ولا معاني بؤسي
تائه في ظلام شك ونحس (1)
فجعل من تكرار (يا صميم الحياة) نقطة مركزية يعود إليها كل حين ليبدأ موقفاً جديداً يعكس بعضاً من ملامحه النفسية ورؤيته التي يسعى جاهداً للتأكيد عليها. كما استطاع أن يحدث نغمة موسيقية عبر أسلوب النداء الذي يعبر عن صرخات الشاعر وآهاته وعذاباته.
أما تكرار البداية الذي وقع في أسلوب الاستفهام فلا يكاد يختلف أو يخرج من حيث الدلالة عما لاحظناه في تكرار النداء، إلا إن اختلاف الصيغ والسمات اللغوية قد يكشف عن أوجاع أخرى لدى الشاعر سواء أكانت ذاتية أم فكرية أم اجتماعية، وإن كان الشابي في معظم صور التكرار يحاول أن يؤكد على رومانسيته في هروبه من الواقع وذم الحياة والهروب من المدينة واللجؤ إلى الطبيعة أو لنقل عشق الطبيعة. وما أسلوب الاستفهام إلا حلقة متصلة من حلقات التصوير النفسي والحيرة والقلق الذي يسكن نفس الشاعر أو أنه يسعى من خلال هذا الأسلوب إلى أن يكون له تميز خاص واستقلالية ذاتية في بحثه عن المفقود وحضور فاعل في الوجود عبر ثنائية الحضور والغياب يقول:
ما للحياة نقية حولي
ما للصباح يعود للدنيا