فجسّد معاناته وعذاباته من هذا الموت الذي لا تفارقه صورته وهو لحظة الإحساس بالنهاية، فسيطر هذا الشعور على كل الأبيات التي وقعت بعد هذه اللازمة وحتى يؤكد ذلك فقد اتخذ من حرف الواو رابطاً بين اطراف هذه اللازمة ليعدد مآسي الموت ومصائبه وصوره البشعة التي تصيب البشرية (ورميتني، وقسوت، وفجعتني، ورزأتني، وهدمت، وفقدت) مع التأكيد على الفعل (فقد) الذي قضّ مضاجعه لفقده والده. ويبقى الموت في ذاكرة الشاعر هاجساً مؤلماً ومصيراً محتوماً، لكنه يدخله في دائرة السؤال والاستفهام الإنكاري الذي يقترب من حد الفلسفة، فالحياة ليس فيها إلا ألوان من العذاب خاتمته الموت يقول:

يا موت قد مزقت صدري

وقصمت بالأرزاء ظهري

يا موت ماذا تبتغي مني

وقد مزّقت صدري (1)

وتبدأ دائرة السؤال الفلسفي ليشرّح الموت ويكشف عن أسراره الخفية (بماذا تود) وبذلك يكشف عن حيرة الشاعر وقلقه من هذا المصير وخوفه من المجهول الذي ينتظره، ولكنه يستسلم لتداعيات الموت وعذاباته اليائسة ب (خذني) ليتخلص من شروره وشرور الإنسانية عامة. فقد أصبح ينتظر دوره في الفناء، ولذلك يجسد في اللازمة الثالثة قمة الاستسلام واليأس التي غطت معظم وجوه حياته، فيقرع الموت ويطلبه فيقول:

يا موت قد مزقت صدري

يا موت قد شاع الفؤاد

وغدوت أمشي مطرقاً

يا موت! نفسي ملّت الدنيا

وقصمت بالأرزاء ظهري

وأقفرت عرصات صدري

من طول ما أثقلت فكري

فهل لم يأت دوري

فجسّد في هذه اللازمة مشاعر الأسى والحزن واليأس وفقدان الأمل الذي يعتور حياته، ولذلك نراه يتعامل مع الموت كأنه شخص يناديه ويتمنى مجيئه لأن أجله كما يعتقد أصبح قريباً. من هنا يمكن القول أن الشابي يتخذ من هذه اللازمة وسيلة لإعادة ما في ذهنه وجوهر حياته يسقط عليها أو من خلالها همومه وآلامه وثورته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015