لقد حرص الشاعر على تجسيد لحظة الصراع بين الماضي والحاضر والمستقبل من خلال تكرار اللازمة أو بين الموت والحياة، ولكن ليس الموت النهائي إنما الموت الذي يبشر بحياة أخرى حافلة بالعطاء، لأن اللازمة تتكون من جملة من الأساليب اللغوية تبدأ بمقطع ثم تنتهي بالبيت الشعري الكامل، فهي أكثر قدرة على استيعاب هذا الزمن الممتد والفضائي الواسع الذي يبدأ بالماضي ليتجاوزه إلى الحاضر والمستقبل، لأن الماضي بالنسبة له هو فناء وموت وسكون والحاضر هو الحياة والانطلاقة التي تستشرف المستقبل، فالماضي هو الأمس والحاضر هو اليوم يقول من قصيدته جدول الحب بين الأمس واليوم التي تقع في ستين بيتاً يقول:
بالأمس قد كانت حياتي كالسماء الباسمة
واليوم قد أمست كأعماق الكهوف الواجمة (1)
ثم يكرر هذا المقطع بعد أربع وثلاثين بيتاً، فجعل عنوان القصيدة في تكرار لازمته وجسّد خلالها لحظة التجلي الشاعرية الماضية التي عاشها ضاحكاً حالماً، لحظة الحب للذات والآخر التي كانت (كبسمة القلب الثمل) فكان الحب ملاذه من الاغتراب والغربة التي عاشها فهو يطهر النفوس ويخلص الإنسان من شقائه ومحنته الكونية وهذا هو شأن الرومانسيين الذين يمجدون الحب ويعدونه أساساً من الأسس التي يجب أن يقوم عليها المجتمع إضافة إلى التقدم العلمي والمساواة والإخاء (2) ولذلك فإنه قد جسّد في هذه اللازمة التي تمثل انطلاقته وتحرره من عالم الأمس فرحة ونشوته في الحب الذي رآه في الطبيعة والمرأة (حيث العذارى الخالدات يمسن ما بين النجوم) ولكنه يلح على ثنائية الأمس واليوم أو الماضي والحاضر في ثنايا النص ليبقى النص مشدوداً يتحرك في إطار هذا الزمن المحدود الذي أراد من خلالها أن يصور حياته وما آلت إليه فنراه يكرر ويقول بين حين وآخر:
قد كان ذلك كله بالأمس بالأمس البعيد
والأمس قد جرفته مقهوراً يد الموت العتيد
قد كان ذلك تحت ظل الأمس والماضي الجميل