لنا بذا أدلة وفية
وإن سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله (ومن تبعهم بإحسان، قد التزموا بقبول ما دلت عليه نصوص الوحي من أسمائه وصفاته فأثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه الكريمة في كتابه، أو أثبته له رسوله الصادق في سنته الثابتة عنه على الوجه الذي يليق به تعالى من غير تأويل يؤدي إلى التحريف، أو نفي يؤدي إلى التعطيل تحت ستار التنزيه. وكذلك نفوا عن الله تعالى ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسوله (في سنته. ولم يكونوا في الإثبات غالين مشبهين، كما لم يكونوا في النفي متجاوزين لحدود النصوص الواردة في النفي حتى يكونوا بذلك معطلين. فهم بذلك وسط بين أهل التشبيه، وأهل التعطيل. وما لم يرد نفيه أو إثباته في الكتاب والسنة، توقفوا في إثباته ونفيه، ولم يثبتوا خشية أن يكون غير ثابت لله، ولم ينفوا خشية أن يكون ثابتاً لله تعالى، لأن ذلك راجع إلى القول على الله بغير علم، وهو مما لا يجوز في شرع الله تعالى.
وهنا يتحتم بيان ثلاثة أمور في غاية الأهمية في الإسلام:
الأمر الأول:
تعلق مسائل الإيمان عامة بثوابت غيبيه، سواء كانت من غيب الغيوب الخاص بأسماء الله وصفاته. أومن عالم الغيب الذي منه الغيب المطلق، أو ما يلحق به في غيبيته من عالم الشهادة.
الأمر الثاني:
مسائل الإيمان توقيفية، أي أن النصوص الشرعية هي التي أوقفتنا على تلك المسائل التي لا نعلم عنها شيئا قبل ورود النصوص الشرعية التي بينتها لنا وأوقفتنا عليها.
ولا يسع المسلم الحريص على دينه أن يتجاوز هذا الموقف الشرعي برأيه وعقله المحدود، وإنما يجب عليه الوقوف على ما أوقفه الشرع عليه من مسائل الإيمان التي يجب على الإنسان أن يتقبلها بقبول حسن على النحو الذي وردت به في النصوص الشرعية.