لا تتجاوز هذا المجال ولا تتعداه، فكما أن الموازين التي تستخدم في المتاجر لوزن المبيعات من الفواكه والحبوب والثمار لا يصح أن توزن بها الجمال والجبال، فكذلك لا يصح أن توزن الغيبيات بهذا العقل الذي خلقه الله لأمر غير هذه الأمور ليس أهلاً له. ولذلك اختلفت الفرق وتباينت آراؤهم في الغيبيات، لاختلاف عقولهم، فعقل الجهمية يرى أن ما يتوهمه هو عين العقل والصواب، وعقل المعتزلة يرى ما يخالف ذلك في بعض الغيبيات، وعقل الأشاعرة كذلك يرى ما يخالفهم منفرداً ببعض الآراء عن الجهمية والمعتزلة، وهكذا يرى كل فريق أن عقله هو المعيار الصحيح والميزان القسط التي توازن به حقائق الغيبيات، فعقل من منهم العقل الذي يجب القول بما جنح إليه من الاعتقاد؟ إنه لا يوجد في الناس عقل كلي معصوم من الخطأ يجب الرجوع إليه عند الاختلاف في الغيبيات، ولكن الذي يجب الرجوع إليه والجزم بصحة ما دل عليه هو الوحي الرباني الذي من تمسك به رشد، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به نجا، ومن عمل به هدي إلى صراط مستقيم.

وفي هذه الدراسة التي تم ذكر أنواع الغيوب وأقسامها فيها، أذكر بشيء من التفصيل حظوظ الإنسان من الاطلاع على تلك الأنواع والأقسام من الغيوب، طبقاً لما دلت عليه النصوص الشرعية، وشهدت له التجارب الإنسانية عبر العصور المختلفة، وذلك في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى وأعان.

المبحث السادس: حظ الإنسان من غيب الغيوب

لقد سبق أن غيب الغيوب هو الغيب المتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته. وهو أعظم أنواع الغيب وذروته.

وحظ الإنسان من هذا الغيب هو ما جاءت به النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يقول شيئا في أسماء الله تعالى وصفاته إلا بإيقاف من الله تعالى ورسوله عليها. وهذا معنى قول العلماء: إن أسماء الله تعالى توقيفية، وكذلك صفاته تعالى على الراجح من كلام العلماء، قال السفاريني في الدرة المضيئة:

لكنها في الحق توقيفية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015