ولقد أعلم الله الإنسان عن طريق رسله ما خلق من أجله، وما ينبغي عليه أن يؤمن به، وما يجب أن يعمله أو لا ينبغي أن يعتقده أو يعمله، غير أن الشيطان وجنوده من الجن والإنس ما فتئوا يزينون له الباطل من الاعتقاد والقول والعمل مع قيام الحجة، ووضوح المحجة، فاستمر الإنسان الذي لم يستجب لرسل الله تعالى، أو استجاب ولكنه لم يلتزم بمنهج الرسل وأتباعهم التزاماً صحيحاً، في التطلع إلى عالم الغيب، حتى وجد بين الناس من أطلق لعقله الزمام متجاوزاً بتفكيره القاصر الطموح ما وراء الطبيعة، حتى تجاوز ذلك إلى الكلام في ذات الله وأسمائه وصفاته، معرضاً عن نصوص الوحي المنزل أو مؤولاً لها، يصرفها عن دلالاتها اللغوية والشرعية، إلى ما تهواه نفسه، ويملي عليه هواها زاعماً أن عقله هو المعيار الصحيح الذي به توزن الغيبيات وزناً دقيقاً، فكان منهم من أنكر صفات الله تعالى الواردة في نصوص الوحي، فعطل رب العالمين عن صفاته الثابتة له كالمعتزلة، ومنهم من نفى أسماءه وصفاته غير مبال بنصوص الوحي كالجهمية، ومنهم من أقر ببعض صفاته على ما يلائم عقله، وأول ما لم يوافق عقله كالأشاعرة والماتريدية، فهدى الله الذين تمسكوا بنصوص الوحي وما دلت عليه من الحق من سلف هذه الأمة وخلفها، حيث لم يجعلوا العقل فوق نصوص الوحي يحكم عليها بأوهامه، ويتحكم فيها بظنونه، ولم يلغوا وظيفته، فتوسطوا في ذلك مدركين أن دور العقل هو الفهم عن الله ورسوله، والتصديق بكل ما جاء في نصوص الوحي على مراد الله تعالى كما بلغ رسوله الصادق الأمين، وأن الغيب يجب التصديق به على ما وردت به النصوص من غير أن يكون للعقل دخل في تصوره، فالله ما كلف الإنسان بما لا يطيق، وإن العقل الذي ركب فيه أداةٌ خاصةٌ لاستخدامها في عالم الشهادة من أمور دنياه، وأما عالم الغيب فكفاه الله مئونته بأن بين له ما يجب أن يصدق به منه، وما ذلك إلا لعلمه تعالى أن طاقة عقل الإنسان في هذه الحياة الدنيا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015