سعى الإنسان منذ نشأته إلى الوقوف على ما يجهله في هذه الحياة بالوسائل التي خلقها الله فيه، تدفعه غرائزه التي زوده بها. فوصل بالوسائل التي لديه إلى تحقيق الكثير مما يتوق إلى معرفته مما يمكن الوصول إليه من خبايا عالم الشهادة، غير أنه لم يكتف بذلك ولم يقتنع بما حققه من الإنجازات في ذلك، بل حاول في مختلف العصور الاطلاع على ما لم يتمكن من الوصول إليه بالوسائل التي ركّبت في بدنه، وزوده الله بها لتكون عوناً له في هذه الحياة، فاستعان بالجن والشياطين حتى نشأت بين الناس فئة ادعت أنها تعلم الغيب، وهي فئة الكهان والعرافين وقارئي الفناجين والمشعوذين الذين استغلوا التطلع الإنساني إلى المجاهيل، فأضلوه بما زعموا من معرفة الغيب من عالم الشهادة، بل تجاوزوا ذلك إلى عالم الغيب، فأخذوا يشيعون بين مصدقيهم أن لهم علاقة بالملائكة والجن، وأن لهم صلة بالنجوم والشمس والقمر والكواكب، فأقاموا لهذه الأجرام السماوية معابد وهياكل عبدوها من خلالها زاعمين أن لها أرواحاً وعقولاً وتصرفاً في الكون، وأنها ترضى وتغضب وتعطي وتمنع، وتفرق وتجمع، وتحيي وتميت، وتخفض وترفع، غير أن الله عز وجل الذي خلق هذا الكون لحكمة أرادها، والذي يتنزه عن كل نقص، ما ترك الإنسان سدى، حتى يتخبط في جهالاته وضلالاته تستهويه الشياطين في الأرض حيران لا يهتدي سبيلاً، ولا يجد هادياً ولا دليلاً، فأرسل إليه رسله تترى في كل عصر وجيل، وأنزل عليهم الكتب، فهداهم من الظلمات إلى النور، فأطاع من أطاع وعصى من عصى، واستمر الصراع بين الحق والباطل استمرار الإنسان في هذه الحياة.