(وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه… ((1) . وقال في قصة يوسف واخوته بعد أن قصها على نبيه (: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ((2) . وقال عقب قصة موسى (: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ((3) .

وهذان المعنيان يفهمان من سياق الآيات القرآنية في الفرق بين الإطلاع والظهور، وبين العلم بأخبار الغيب، فالعلم بأخبار الغيب المتعلقة بعالم الشهادة له مصادر شتى كما سيأتي بيانه في موضعه. غير أن الوحي أهم المصادر وأصدقها وأجلها وأدقها. وأما الغيب المطلق فليس للإطلاع عليه مصدر آخر غير الوحي الرباني. وكأن المطلع عليه يطلع عليه من نافذة الوحي كما يطلع المرء من نافذة منزله أو كوة فيه على ما في الخارج، فإنه لا يحيط به من جميع الجوانب.

وهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الاطلاع والظهور على الغيب معناهما مشاهدة الغيب نفسه، وإن كان بلا إحاطة.

وأما أخبار الغيب التي يوحى بها فهي لا تعني أن من أوحى بها إليه شاهد الغيب واطلع عليه ولكنه أخبر به. فمثال الاطلاع على الغيب مشاهدات الرسول (ليلة الإسراء والمعراج، ورؤيته للمسجد الأقصى بعد ذلك وهو بمكة حينما سألته قريش عن صفاته حتى وصف لهم وصفا دقيقا حيث جلاه الله تعالى له (4) . ومثال العلم بأخبار الغيب عن طريق الوحي، ما جاء من قصص الأنبياء وأممهم في القرآن.

المبحث الرابع: أنواع الغيب وأقسامه

الغيب من حيث إطلاق لفظ الغيب عليه ثلاثة أنواع:

النوع الأول: غيب الغيوب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015