فتبين من هذا أن علم الغيب خاص بربنا تبارك وتعالى. وأما الاطلاع والظهور على الغيب فمعناهما واحد فهو العلم الجزئي بالشيء الذي أذن الله تعالى لرسله أن يعلموا به. والعلم الجزئي بالشيء ليس كالعلم الكلي الشامل المحيط بالشيء. ولعل السر في هاتين الكلمتين في حق العباد، الإشارة إلى هذا المعنى فالعلم لله تعالى، والاطلاع والظهور على بعض هذه الغيبيات لمن اصطفاهم الله تعالى من رسله عليهم الصلاة والسلام. ومما يجدر التنبيه عليه هنا، أن في كتاب الله تعالى نصوصا دلت على أن الله تعالى أعلم بعض عباده من الرسل والأتباع فكانوا على علم بتلك الغيوب التي أوحى الله تعالى بها إلى رسوله (وذلك كقوله تعالى:
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ((1) وقوله: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ((2)
ويفيد هذا انهم علموا بأنباء الغيب بعد أن أوحى الله تعالى بها إلى نبيه (. فإن قيل أو ليس قد سبق أن عباده المصطفين يظهرون على بعض الغيب ولا يعلمون به لأن العلم هو الإحاطة والشمول وذلك ليس إلا لربنا عز وجل؟ فالجواب أن الآيات المفيدة بأن الرسول (وأتباعه علموا بأنباء الغيب بعد وحي الله تعالى إليه جاءت في الغيب النسبي وليس في الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل. وأيضا إن الله تعالى أخبرهم بما قد جرى ووقع في زمن قد مضى وانقضى لم يكن رسول الله (وقومه في ذلك الزمان أو المكان، ولو كانوا ثمّ لعلموا به كما علم من كان بذلك الزمان والمكان ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك: