وهو في قوله وفعله يعدل بين الناس قريبهم وبعيدهم غنيهم وفقيرهم عدوهم وصديقهم، لأنه يؤمن ويعمل بقول الله تعالى: (ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ((1) . وقوله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بها ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ((2) .
هذا هو المبدأ الذي عمل به الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله (الذين عادوا قرابتهم في الله تعالى، وجاهدوهم في سبيل الله. وأسوتهم في ذلك خليل الله ورسوله إبراهيم عليه السلام والذين معه. وقد قال الله تعالى فيهم: (قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ((3) .
فرباط الدين هو الذي تشد به العلائق بين الناس في دين الله، إذ الإيمان رحم بين أهله فإذا خرج أولو الأرحام عن دائرة الإيمان فلاعتبار لعلاقة النسب وحدها. ولأن الله تعالى يقول: (ونفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون ((4) ويقول: (ولا يسأل حميمٌ حميماً ((5) ويقول: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ((6) .