وحينما كان أولو القربى لرسول الله (وصحابته رضوان الله تعالى عليهم خارجين عن دائرة الإيمان، معادين لأهل الإيمان، كان من العدل أن يعلنوا معاداتهم، ويتبرأوا من موالاتهم فجرت الخصومة والحروب بينهم. وفيهم يقول الله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم ((1) . وفي هذا إشارة إلى ما وقع يوم بدر من المبارزة بين المؤمنين من المهاجرين، وبين أقاربهم المشركين من أهل مكة.
ولكن الذين غمر الإيمان قلوبهم لم يبالوا برابطة القرابة والقومية التي خلت من الإيمان بدين الله، واتباع رسول الله (. فالمؤمن يحب الله تعالى ورسوله ودينه، والكافر يبغض الله تعالى ورسوله ودينه، والمؤمن يحب ما يحبه الله ويرضى، ويبغض ما يبغضه الله. ولذلك لا يوجد مؤمن صادق في إيمانه يحب أعداء الله ويواليهم. قال الله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه ((2) .
وهو إن غضب لا يستبد به الغضب، بل يكظم غيظه، عملاً بقول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ((3) .
وإذا انتصر عفا وتجاوز (والعافين عن الناس (. ومع أن الانتصار على أهل الظلم مشروع ما لم تترتب عليه مفسدة أعظم، فإن العفو عن الظالم عند المقدرة من عزم الأمور: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذابٌ أليم (ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور ((4) .