فإذا وقع المقدر المعلوم، فهو بمشيئة الله وقدره، وإرادته: {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} (1) ، {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) يخلق ما يخلقه بغير سبب معلوم لنا، أو بسبب معلوم لنا، فهو القادر - سبحانه - على أن يقول للشيء كن فيكون {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (3) .
والقضاء الكوني القدري على ثلاثة أقسام:
الأول: قسم موافق لمحبة العبد وإرادته، ورضاه، من صحة، وغنى، وعافية، ولذة.
فهذا أمر لازم بمقتضى الطبيعة، لأنه ملائم للعبد، محبوب له، فليس في الرضا به عبودية، لكن العبودية فيه مقابلته بالشكر، والاعتراف بالمنة، ووضع النعمة في المواضع التي يحب الله - تعالى - أن توضع فيها، وأن لايعصي العبد بها المنعم - سبحانه وتعالى (4) -.
فيجب الرضا بذلك، ويجب شكرها؛ لأن الرضا بالنعم من تمام شكرها وبركتها، كما قال الله - تعالى -: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (5) .
الثاني: ماجاء على خلاف مراد العبد ومحبته، مِمَّا لايلائمه، ولايدخل تحت اختياره.
وذلك مثل المرض، والفقر، وأذى الخلق، والحر والبرد، والآلام، ونحو ذلك من المصائب التي تصيب العبد المؤمن.
فالمؤمن من أكثر الناس بلاء، ولكنه أعظمهم قدراً، والمصائب ابتلاء، واختبار للعبد، أيرضى أم يسخط، ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه.
وقد ورد في الحديث الصحيح: {من يرد الله به خيراً يصب منه} (6) .
فمن يثبت مع المصائب، ويصبر، ويحتسب، ويرضى بقضاء الله - تعالى - وقدره، يبلغ المنى، وتكفر خطاياه، كما في الصحيح: {ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلاَّ رفعه الله بها درجة، وحط بها عنه خطيئة} (7) .
وفي الحديث أيضاً: {ما ضرب من مؤمن عرق إلاَّ حط الله عنه به خطيئة، وكتب له به حسنة، ورفع له به درجة} (8)